مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ} (38)

قوله تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة ، إلا أصحاب اليمين } قال صاحب الكشاف : رهينة ليست بتأنيث رهين في قوله : { كل امرئ بما كسب رهين } لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصيغة لقيل : رهين ، لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن ، ومنه بيت الحماسة :

أبعد الذي بالنعف نعف كواكب *** رهينة رمس ذي تراب وجندل

كأنه قال : رهن رمس ، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك إلا أصحاب اليمين ، فإنهم فكوا عن رقاب أنفسهم بسبب أعمالهم الحسنة ، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق ، ثم ذكروا وجوها في أن أصحاب اليمين من هم ؟ ( أحدها ) قال ابن عباس : هم المؤمنون ( وثانيها ) قال الكلبي : هم الذين قال [ فيهم ] الله تعالى : «هؤلاء في الجنة ولا أبالي » وهم الذين كانوا على يمين آدم ( وثالثها ) قال مقاتل : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ( ورابعها ) قال علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر : هم أطفال المسلمين ، قال الفراء : وهو أشبه بالصواب لوجهين : ( الأول ) لأن الولدان لم يكتسبوا إثما يرتهنون به ( والثاني ) أنه تعالى ذكر في وصفهم ، فقال : { في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر } وهذا إنما يليق بالولدان ، لأنهم لم يعرفوا الذنوب ، فسألوا { ما سلككم في سقر } ( وخامسها ) عن ابن عباس : هم الملائكة .