قوله تعالى : { قالوا } ، يعنى الملائكة ، { أتعجبين من أمر الله } ، معناه : لا تعجبي من أمر الله ، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئا كان .
قوله تعالى : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } ، أي : بيت إبراهيم عليه السلام . قيل : هذا على معنى الدعاء من الملائكة ، وقيل : معنى الخير والرحمة والنعمة . والبركات جمع البركة ، وهي ثبوت الخير . وفيه دليل على أن الأزواج من أهل البيت .
قوله تعالى : { إنه حميد مجيد } ، فالحميد : المحمود في أفعاله ، والمجيد : الكريم ، والأصل المجد الرفعة .
{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء ، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه ، لأهل هذا البيت المبارك .
{ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } أي : لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته ، وهي : الزيادة من خيره وإحسانه ، وحلول الخير الإلهي على العبد { عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } أي : حميد الصفات ، لأن صفاته صفات كمال ، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان ، وجود ، وبر ، وحكمة ، وعدل ، وقسط .
مجيد ، والمجد : هو عظمة الصفات وسعتها ، فله صفات الكمال ، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها .
وقد رد عليها الملائكة بقولهم : { قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله } ؟ ! !
أى : أتستبعدين على قدرة الله - تعالى - أن يرزقك الولد وأنت وزوجك فى هذه السن المتقدمة ؟ لا إنه لا ينبغى لك أن تستبعدى ذلك ، لأن قدرة الله لا يعجزها شئ . فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة ، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة .
وقوله : { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } حكاية لما قالته الملائكة لها ، زيادة فى سرورها وفى إدخال الطمأنينة على قلبها .
أى رحمة الله الواسعة ، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم - عليه السلام - .
قال صاحب الكشاف : وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها ، لأنها كانت فى بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ، ولا يزدهيا ما يزدهى سائر النساء الناشئات فى غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده ، مكان التعجب .
وإلى ذلك أشارت الملائكة فى قولهم { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } .
أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمهم به رب العزة ، ويخصكم بالإِنعام به يا أهل بيت النبوة ، فليس بمكان عجب ، والكلام مستأنف علل به إنكارا التعجب . كأنه قيل : " إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم " .
وقوله - سبحانه - { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل .
أى إنه - سبحانه - { حَمِيدٌ } أى : مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده { مَّجِيدٌ } أى : كريم واسع الإِحسان ، فليس بعيداً منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر .
قال صاحب المنار ما ملخصه : وأصل المجد فى اللغة أن تقع الإِبل فى أرض واسعة المرعى ، كثيرة الخصب ، يقال : مجدت الإِبل تمد من باب نصر - مجداً ومجادة ، وأمجدها الراعى .
والمجد فى البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم .
ووصف الله كتابه بالمجيد ، كما وصف نفسه بذلك ، لسعة هداية كتابه ، وسعة كرمه وفضله على عباده . . .
( قالوا : أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . إنه حميد مجيد )
ولا عجب من أمر الله . فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل . وعندما يشاء الله لحكمة يريدها - وهي هنا رحمته بأهل هذا البيت وبركاته الموعودة للمؤمنين فيه - يقع ما يخالف العادة ، مع وقوعه وفق السنة الإلهية التي لا نعلم حدودها ، ولا نحكم عليها بما تجري به العادة في أمد هو على كل حال محدود ، ونحن لا نستقرئ جميع الحوادث في الوجود .
والذين يقيدون مشيئة الله بما يعرفونه هم من نواميسه لا يعرفون حقيقة الألوهية كما يقررها الله سبحانه في كتابه - وقوله الفصل وليس للعقل البشري قول في ذلك القول - وحتى الذين يقيدون مشيئة الله بما يقرر الله - سبحانه - أنه ناموسه ، لا يدركون حقيقة الألوهية كذلك ! فمشيئة الله سبحانه طليقة وراء ما قرره الله سبحانه من نواميس . ولاتتقيد هذه المشيئة بالنواميس .
نعم إن الله سبحانه يجري هذا الكون وفق النواميس التي قدرها له . . ولكن هذا شيء والقول بتقيد إرادته بهذه النواميس بعد وجودها شيء آخر ! إن الناموس يجرى وينفذ بقدر من الله قي كل مرة ينفذ فيها . فهو لا يجري ولا ينفذ آليا . فإذا قدر الله في مرة أن يجري الناموس بصورة أخرى غير التي جرى بها في مرات سابقة كان ما قدره الله ولم يقف الناموس في وجه هذا القدر الجديد . . ذلك أن الناموس الذي تندرج تحته كل النواميس هو طلاقة المشيئة بلا قيد على الإطلاق ، وتحقق الناموس في كل مرة يتحقق فيها بقدر خاص طليق .
ولذلك { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } منكرين عليها فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات ، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات ، أهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة . { إنه حميد } فاعل ما يستوجب به الحمد . { مجيد } كثير الخير والإحسان .
جواب الملائكة إياها بجملة { أتعجبين من أمر الله } إنكار لتعجبها لأنه تعجّبٌ مراد منه الاستبعاد . و { أمر الله } هو أمر التكوين ، أي أتعجبين من قدرة الله على خرق العادات . وجوابهم جار على ثقتهم بأن خبرهم حق منبىء عن أمر الله .
وجملة { رحمت الله وبركاته عليكم } تعليل لإنكار تعجبها ، لأن الإنكار في قوة النفي ، فصار المعنى : لا عجب من أمر الله لأنّ إعطاءك الولد رحمة من الله وبركة ، فلا عجب في تعلّق قدرة الله بها وأنتم أهل لتلك الرحمة والبركة فلا عجب في وقوعها عندكم .
ووجه تعليل نفي العجب بهذا أن التعجب إمّا أن يكون من صدور هذا من عند الله وإما أن يكون في تخصيص الله به إبراهيم عليه السّلام وامرأته فكان قولهم { رحمت الله وبركاته عليكم } مفيداً تعليل انتفاء العجبين .
وتعريف { البيت } تعريف جضور ، وهو البيت الحاضر بينهم الذي جرى فيه هذا التحاور ، أي بيت إبراهيم عليه السّلام . والمعنى أهل هذا البيت .
والمقصود من النداء التنويه بهم ويجوز كونه اختصاصاً لزيادة بيان المرَاد من ضمير الخطاب .
وجملة { إنّه حميد مجيد } تعليل لتوجه رحمته وبركاته إليهم بأنّ الله يحمد من يطيعه ، وبأنّه مَجِيدٌ ، أي عظيم الشأن لاَ حَدّ لِنِعَمِه فلا يعظم عليه أن يعطيها ولداً ، وفي اختيار وصف الحميد من بين الأسماء الحسنى كناية عن رضى الله تعالى على إبراهيم عليه السّلام وأهله .