البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

المجيد قال ابن الأعرابي : الرفيع .

يقال : مجد يمجد مجداً ومجادة ومجد ، لغتان أي كرم وشرف ، وأصله من قولهم : مجدت الإبل تمجد مجداً شبعت .

وقال : أمجدت الدابة أكثرت علفها ، وقال أبو حية النميري :

تزبد على صواحبها وليست *** بماجدة الطعام ولا الشراب

أي : ليست بكثيرة الطعام ولا الشراب .

وقال الليث : أمجد فلان عطاء ومجده إذا كثره ، ومن أمثالهم «في كل شجر نار » واستمجد المرخ والعفار أي استكثر من النار .

وقال ابن عطية : مجد الشيء إذا حسنت أوصافه .

قالوا : أي الملائكة أتعجبين ؟ استفهام إنكار لعجبها .

قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة ، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة ، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب .

وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، أرادوا أنّ هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوّة ؟ فليست بمكان عجيب ، وأمر الله قدرته وحكمته .

وقوله : رحمة الله وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب ، كأنه قيل : إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم .

وقيل : الرحمة النبوة ، والبركات الأسباط من بني إسرائيل ، لأن الأنبياء منهم ، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى .

وقيل : رحمته تحيته ، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة .

وروي أن سارة قالت لجبريل عليه السلام : ما آية ذلك ؟ فأخذ عوداً بابساً فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فسكن روعها وزال عجبها .

وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبراً وهو الأظهر ، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم ، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح ، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد .

وأهل منصوب على النداء ، أو على الاختصاص ، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق ، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح ، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم ، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم ، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله : بنا تميماً يكشف الضباب .

وقوله : ولا الحجاج عيني بنت ماء .

وخطاب الملائكة أياها بقولهم : أهل البيت ، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت ، وقد دل على ذلك أيضاً في سورة الأحزاب خلافاً للشيعة إذ لا يعدون الزوجة من أهل بيت زوجها ، والبيت يراد به بيت السكنى .

إنه حميد : وقال أبو الهيثم تحمد أفعاله وهو بمعنى المحمود .

وقال الزمخشري : فاعل ما يستوجب من عباده ، مجيد كريم كثير الإحسان إليهم .