في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

69

( قالوا : أتعجبين من أمر الله ؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . إنه حميد مجيد )

ولا عجب من أمر الله . فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل . وعندما يشاء الله لحكمة يريدها - وهي هنا رحمته بأهل هذا البيت وبركاته الموعودة للمؤمنين فيه - يقع ما يخالف العادة ، مع وقوعه وفق السنة الإلهية التي لا نعلم حدودها ، ولا نحكم عليها بما تجري به العادة في أمد هو على كل حال محدود ، ونحن لا نستقرئ جميع الحوادث في الوجود .

والذين يقيدون مشيئة الله بما يعرفونه هم من نواميسه لا يعرفون حقيقة الألوهية كما يقررها الله سبحانه في كتابه - وقوله الفصل وليس للعقل البشري قول في ذلك القول - وحتى الذين يقيدون مشيئة الله بما يقرر الله - سبحانه - أنه ناموسه ، لا يدركون حقيقة الألوهية كذلك ! فمشيئة الله سبحانه طليقة وراء ما قرره الله سبحانه من نواميس . ولاتتقيد هذه المشيئة بالنواميس .

نعم إن الله سبحانه يجري هذا الكون وفق النواميس التي قدرها له . . ولكن هذا شيء والقول بتقيد إرادته بهذه النواميس بعد وجودها شيء آخر ! إن الناموس يجرى وينفذ بقدر من الله قي كل مرة ينفذ فيها . فهو لا يجري ولا ينفذ آليا . فإذا قدر الله في مرة أن يجري الناموس بصورة أخرى غير التي جرى بها في مرات سابقة كان ما قدره الله ولم يقف الناموس في وجه هذا القدر الجديد . . ذلك أن الناموس الذي تندرج تحته كل النواميس هو طلاقة المشيئة بلا قيد على الإطلاق ، وتحقق الناموس في كل مرة يتحقق فيها بقدر خاص طليق .