اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

ثم قالت الملائكةُ : { قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله } أي : لا تعجبي مِنْ أمْرِ الله ، فإنَّ الله إذا أراد شيئاً كان .

قوله : { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } أي : بيت إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - والمعنى : رحمةُ الله عليكم متكاثرة ، وبركاته عندكم متواليةٌ متعاقبة ، وهي النبوة ، والمعجزات القاهرةُ ، فإذا خرق الله العادةَ في تخصيصكُم بهذه الكراماتِ العاليةِ الرَّفيعةِ ، فلا تعجبي من ذلك . وقيل : هذا على معنى الدُّعاءِ من الملائكة .

وقيل : على معنى الخَيْرِ والرَّحْمَةِ والنعمة . و " البركاتُ " جمع البركة وهي ثبوت الخَيْرِ .

فإن قيل : ما الحكمةُ في إفرادِ الرَّحمةِ وجمع البركات ، وكذلك إفراد السَّلام في التشهد وجمع البركات ؟ .

فالجواب : قد تقدَّم في سورة البقرة عند قوله : { أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 157 ] .

وقال ابن القيِّم - هنا - إنَّ السلام إمَّا مصدرٌ محضٌ ، فهو شيءٌ واحدٌ ، فلا معنى لجَمْعِهِ ، وإمَّا اسمٌ من أسماء الله - تعالى - فيستحيل أيضاً جمعه ، وعلى التقديرين لا سبيل لجمعه .

وأمَّا الرَّحمةُ فمصدرٌ كما تقدَّم ، وأمَّا البركةُ : فإنها لمَّا كانت تتجدَّدُ شيئاً بعد شيءٍ كان لفظ الجمع أولى بها ؛ لدلالتها على المعنى المقصود بها ، ولهذا جاءت في القرآن كهذه الآية ، وكذلك السَّلام في التشهُّدِ ، وهو قوله : السَّلام عليكم أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته .

وقوله : " عَلَيْكُم " حكى سيبويه " عَلَيْكم " بكسر الكافِ لمجاورتها الياء نقله القرطبي وفيه دليل على أنَّ الأزواجَ من أهلِ البيتِ .

قوله : " أهْلَ البيتِ " في نصبه وجهان :

أحدهما : أنه مُنَادَى .

والثاني : أنه منصوبٌ على المدح . وقيل : على الاختصاص ، وبين النَّصبين فرقٌ : وهو أنَّ المنصوب على المدح لفظٌ والمنصوبُ على الاختصاصِ لا يكونُ إلا لمدحٍ ، أو ذمٍّ ، لكن لفظه لا يتضمَّنُ بوضعه المدحَ ، ولا الذَّم ؛ كقوله : [ الرجز ]

بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ{[18898]} *** . . .

كذا قاله أبو حيَّان ، واستند إلى أنَّ سيبويه جعلهما في بابين ، وفيه نظرٌ . ثم قال : إنه حميدٌ مجيدٌ ، فالحميد : المحمود ، والمجيدُ : فعيل ، مثال مبالغة من مَجَد يَمْجُد مَجْداً ومَجَادَة ، ويقال : مَجُد ك : شَرُف وأصله : الرِّفْعَة .

وقيل : من مَجَدتِ الإبلُ تَمْجُدُ مَجَادَةً ومَجْداً ، أي : شَبِعَتْ ؛ وأنشدوا لأبي حيَّة النَّمَيْرِي : [ الوافر ]

تَزيدُ على صواحبها وليْسَتْ *** بِمَاجِدةِ الطَّعامِ ولا الشَّرابِ{[18899]}

[ أي ] : ليست بكثيرة الطَّعام ولا الشَّرابِ .

وقيل : مَجَد الشَّيءُ : أي : حَسُنَتْ أوصافُهُ .

وقال الليثُ - رحمه الله - : " أمْجَدَ فلانٌ عطاءهُ ومجَّدهُ أي : كثَّرَهُ " .

والمجيدُ : المَاجدُ ، وهو ذُو الشَّرفِ والكرمِ .


[18898]:تقدم.
[18899]:ينظر البيت في اللسان (مجد) وروح المعاني 12/102 والبحر المحيط 5/237 والدر المصون 4/116.