ثم قالت الملائكةُ : { قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله } أي : لا تعجبي مِنْ أمْرِ الله ، فإنَّ الله إذا أراد شيئاً كان .
قوله : { رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت } أي : بيت إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - والمعنى : رحمةُ الله عليكم متكاثرة ، وبركاته عندكم متواليةٌ متعاقبة ، وهي النبوة ، والمعجزات القاهرةُ ، فإذا خرق الله العادةَ في تخصيصكُم بهذه الكراماتِ العاليةِ الرَّفيعةِ ، فلا تعجبي من ذلك . وقيل : هذا على معنى الدُّعاءِ من الملائكة .
وقيل : على معنى الخَيْرِ والرَّحْمَةِ والنعمة . و " البركاتُ " جمع البركة وهي ثبوت الخَيْرِ .
فإن قيل : ما الحكمةُ في إفرادِ الرَّحمةِ وجمع البركات ، وكذلك إفراد السَّلام في التشهد وجمع البركات ؟ .
فالجواب : قد تقدَّم في سورة البقرة عند قوله : { أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 157 ] .
وقال ابن القيِّم - هنا - إنَّ السلام إمَّا مصدرٌ محضٌ ، فهو شيءٌ واحدٌ ، فلا معنى لجَمْعِهِ ، وإمَّا اسمٌ من أسماء الله - تعالى - فيستحيل أيضاً جمعه ، وعلى التقديرين لا سبيل لجمعه .
وأمَّا الرَّحمةُ فمصدرٌ كما تقدَّم ، وأمَّا البركةُ : فإنها لمَّا كانت تتجدَّدُ شيئاً بعد شيءٍ كان لفظ الجمع أولى بها ؛ لدلالتها على المعنى المقصود بها ، ولهذا جاءت في القرآن كهذه الآية ، وكذلك السَّلام في التشهُّدِ ، وهو قوله : السَّلام عليكم أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته .
وقوله : " عَلَيْكُم " حكى سيبويه " عَلَيْكم " بكسر الكافِ لمجاورتها الياء نقله القرطبي وفيه دليل على أنَّ الأزواجَ من أهلِ البيتِ .
قوله : " أهْلَ البيتِ " في نصبه وجهان :
والثاني : أنه منصوبٌ على المدح . وقيل : على الاختصاص ، وبين النَّصبين فرقٌ : وهو أنَّ المنصوب على المدح لفظٌ والمنصوبُ على الاختصاصِ لا يكونُ إلا لمدحٍ ، أو ذمٍّ ، لكن لفظه لا يتضمَّنُ بوضعه المدحَ ، ولا الذَّم ؛ كقوله : [ الرجز ]
بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ{[18898]} *** . . .
كذا قاله أبو حيَّان ، واستند إلى أنَّ سيبويه جعلهما في بابين ، وفيه نظرٌ . ثم قال : إنه حميدٌ مجيدٌ ، فالحميد : المحمود ، والمجيدُ : فعيل ، مثال مبالغة من مَجَد يَمْجُد مَجْداً ومَجَادَة ، ويقال : مَجُد ك : شَرُف وأصله : الرِّفْعَة .
وقيل : من مَجَدتِ الإبلُ تَمْجُدُ مَجَادَةً ومَجْداً ، أي : شَبِعَتْ ؛ وأنشدوا لأبي حيَّة النَّمَيْرِي : [ الوافر ]
تَزيدُ على صواحبها وليْسَتْ *** بِمَاجِدةِ الطَّعامِ ولا الشَّرابِ{[18899]}
[ أي ] : ليست بكثيرة الطَّعام ولا الشَّرابِ .
وقيل : مَجَد الشَّيءُ : أي : حَسُنَتْ أوصافُهُ .
وقال الليثُ - رحمه الله - : " أمْجَدَ فلانٌ عطاءهُ ومجَّدهُ أي : كثَّرَهُ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.