الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ} (73)

فيه ربع مسائل :

الأولى : قوله تعالى : " قالوا أتعجبين من أمر الله " لما قالت : " وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا " وتعجبت ، أنكرت الملائكة عليها تعجبها من أمر الله ، أي من قضائه وقدره ، أي لا عجب من أن يرزقكما الله الولد ، وهو إسحاق . وبهذه الآية استدل كثير من العلماء على أن الذبيح إسماعيل ، وأنه أسن من إسحاق ؛ لأنها بشرت بأن إسحاق يعيش حتى يولد له يعقوب . وسيأتي الكلام في هذا ، وبيانه في " الصافات " {[8793]} إن شاء الله تعالى .

الثانية : قوله تعالى : " رحمة الله وبركاته " مبتدأ ، والخبر " عليكم " . وحكى سيبويه " عليكم " بكسر الكاف لمجاورتها الياء . وهل هو خبر أو دعاء ؟ وكونه إخبارا أشرف ؛ لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم ، المعنى : أوصل الله لكم رحمته وبركاته أهل البيت . وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل به بعد . " أهل البيت " نصب على الاختصاص ، وهذا مذهب سيبويه . وقيل : على النداء .

الثالثة : هذه الآية تعطي أن زوجة الرجل ، من أهل البيت ، فدل هذا على أن أزواج الأنبياء من أهل البيت ، فعائشة رضي الله عنها وغيرها من جملة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ممن قال الله فيهم : " ويطهركم تطهيرا " [ الأحزاب : 33 ] وسيأتي{[8794]} .

الرابعة : ودلت الآية أيضا على أن منتهى السلام " وبركاته " كما أخبر الله عن صالحي عباده " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت " . والبركة النمو والزيادة ، ومن تلك البركات أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم وسارة . وروى مالك عن وهب بن كيسان أبي نعيم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال : كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئا مع ذلك ، فقال ابن عباس - وهو يومئذ قد ذهب بصره - من هذا ؟ فقالوا اليماني الذي يغشاك ، فعرفوه إياه ، فقال : ( إن السلام انتهى إلى البركة ) . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : دخلت المسجد فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم في عصبة من أصحابه ، فقلت : السلام عليكم ، فقال : ( وعليك السلام ورحمة الله عشرون لي وعشرة لك ) . قال : ودخلت الثانية ، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله فقال : ( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وعشرون لك ) . فدخلت الثالثة فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : فقال : ( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون لي وثلاثون لك أنا وأنت في السلام سواء ) . " إنه حميد مجيد " أي محمود ماجد . وقد بيناهما في " الأسماء الحسنى " .


[8793]:راجع ج 15 ص 98 فما بعد.
[8794]:راجع ج 14 ص 178.