قوله عز وجل :{ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه ، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لساناً ، وأحد منك سناناً ، وأشجع منك جناناً ، وأملأ حشواً في الكتيبة . فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ، فأنزل الله تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } ولم يقل : لا يستويان ، لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً ، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين .
{ 18 - 20 } { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }
ينبه تعالى ، العقول على ما تقرر فيها ، من عدم تساوي المتفاوتين المتباينين ، وأن حكمته تقتضي عدم تساويهما فقال : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا } قد عمر قلبه بالإيمان ، وانقادت جوارحه لشرائعه ، واقتضى إيمانه آثاره وموجباته ، من ترك مساخط اللّه ، التي{[684]} يضر وجودها بالإيمان .
{ كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا } قد خرب قلبه ، وتعطل من الإيمان ، فلم يكن فيه وازع ديني ، فأسرعت جوارحه بموجبات الجهل والظلم ، من كل إثم ومعصية ، وخرج بفسقه عن طاعة الله .
{ لَا يَسْتَوُونَ } عقلاً وشرعًا ، كما لا يستوي الليل والنهار ، والضياء والظلمة ، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن عدالته قد اقتضت عدم التسوية بين الأخيار والأشرار ، وأن كل إنسان إنما يجازى يوم القيامة على حسب عمله فقال - تعالى - : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً . . . المجرمين مُنتَقِمُونَ } .
والاستفهام فى قوله : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً . . . } للإِنكار ، والفسوق : الخروج عن طاعة الله .
أى : أفمن كان فى هذه الدنيا مؤمناً بالله حق الإِيمان ، كمن كان فيها فاسقاً وخارجاً عن طاعة الله - تعالى - وعن دينه الذى ارتضاه لعباده ؟
كلا ، إنهم لا يستوون لا فى سلوكهم وأعمالهم ، ولا فى جزائهم الدنيوى أو الأخروى .
وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت فى شأن الوليد بن عقبة ، وعلى نب أبى طالب - رضى الله عنه - ، حيث قال الوليد لعلى : أنا أبسط منك لساناً ، وأحد سنانا ، وأملأ فى الكتيبة جسداً ، فقال له على : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية .
وأمام مشهد المجرمين البائس الذليل ؛ ومشهد المؤمنين الناعم الكريم ، يعقب بتلخيص مبدأ الجزاء العادل ، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا أو الآخرة ؛ والذي يعلق الجزاء بالعمل ، على أساس العدل الدقيق :
( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ؟ لا يستوون . أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون . وأما الذين فسقوا فمأواهم النار . كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وقيل لهم : ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون . ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون . ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ? إنا من المجرمين منتقمون ) . .
وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك ، حتى يستووا في الجزاء في الدنيا وفي الآخرة سواء . والمؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله ، عاملون على منهاجه القويم . والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة ، وقانونه الأصيل . فلا عجب إذن أن يختلف طريق المؤمنين والفاسقين في الآخرة ، وأن يلقى كل منهما الجزاء الذي يناسب رصيده وما قدمت يداه .
يخبر تعالى عن عدله [ وكرمه ]{[31]} أنه لا يساوي في حُكمه يوم القيامة مَنْ كان مُؤمنًا بآياته متبعًا لرسله ، بمن كان فاسقا ، أي : خارجا عن طاعة ربه مكذِّبًا لرُسُله إليه{[32]} ، كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] ، وقال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] ، وقال تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20 ] ؛ ولهذا قال تعالى هاهنا : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } أي : عند الله يوم القيامة . وقد ذكر عطاء بن يَسَار والسُّدِّيّ وغيرهما : أنها نزلت في علي بن أبي طالب ، وعقبة بن أبي مُعَيط ؛ ولهذا فَصَّل حكمهم فقال : { أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }
وقوله تعالى : { أفمن كان مؤمناً } الآية ، روي عن عطاء بن يسار أنها نزلت في علي بن أبي طالب : والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنهما تلاحيا فقال لها الوليد : أنا أبسط منك لساناً وأحد سناناً وأرد للكتيبة ، فقال له علي بن أبي طالب : اسكت فإنك فاسق ، فنزلت الآية{[9431]} .
وذكر الزجاج والنحاس وغيرهما أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط ، وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية ، لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر ، ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان فيه أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن حتى نزلت فيه { إن جاءكم فاسق بنبأ }{[9432]} [ الحجرات : 6 ] ويحتمل أيضاً أن تطلق الشريعة ذلك عليه لأنه كان على طرف مما يبغي وهو الذي شرب الخمر في خلافة عثمان وصلى الصبح بالناس أربعاً ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ونحو هذا مما يطول ذكره .