{ 17 - 19 } { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }
هذا إخبار عن تنزهه عن السوء والنقص وتقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق وأمر للعباد أن يسبحوه حين يمسون وحين يصبحون ووقت العشي ووقت الظهيرة .
وبعد هذا البيان المؤثر لأهوال يوم القيامة ، ولأحوال الناس فيه . . ساق - سبحانه - أنواعا متعددة من الأدلة والبراهين على وحدانيته - عز وجل - وقدرته ، ورحمته بخلقه فقال - تعالى - : { فَسُبْحَانَ الله . . . . العزيز الحكيم } .
قالوا الإِمام الرازى : لما بين - سبحانه - عظمته فى الابتداء بقوله { مَّا خَلَقَ الله السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } وعظمته فى الانتهاء ، بقوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة } وأن الناس يتفرقون فريقين ، ويحكم - عز وجل - على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالى ، وهؤلاء للنار يتفرقون فريقين ، ويحكم - عز وجل - على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالى ، وهؤلاء للنار ولا أبالى ، بعد كل ذلك أمر بتنزيهه عن كل سوء ، وبحمده على كل حال ، فقال : { فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ } .
والفاء فى قوله : { فَسُبْحَانَ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ولفظ " سبحان " اسم مصدر ، منصوب بفعل محذوف . والتسبيح : تنزيه الله - تعالى - : عن كل ما لا يليق بجلاله . والمعنى إذا علمتم ما أخبرتكم به قبل ذلك ، فسبحوا الله - تعالى - ونزهوه كل نقص { حِينَ تُمْسُونَ } أى : حين تدخلون فى وقت المساء ، { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أى : تدخلون فى وقت الصباح .
( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) . .
إن ذلك التسبيح وهذا الحمد يجيئان تعقيبا على مشهد القيامة في الفقرة السابقة ، وفوز المؤمنين بروضة فيها يحبرون ، وانتهاء الكافرين المكذبين إلى شهود العذاب . ومقدمة لهذه الجولة في ملكوت السماوات والأرض ، وأغوار النفس وعجائب الخلق . فيتسقان مع التعقيب على المشهد وعلى التقديم للجولة كل الاتساق .
والنص يربط التسبيح والحمد بالأوقات : الإمساء والإصباح والعشي والأظهار ؛ كما يربطهما بآفاق السماوات والأرض . فيتقصى بهما الزمان والمكان ؛ ويربط القلب البشري بالله في كل بقعة وفي كل أوان ؛ ويشعر بتلك الرابطة في الخالق مع هيكل الكون ودورة الأفلاك وظواهر الليل والنهار والعشي والأظهار . . ومن ثم يظل هذا القلب مفتوحا يقظا حساسا ، وكل ما حوله من مشاهد وظواهر ، وكل ما يختلف عليه من آونة وأحوال ، يذكره بتسبيح الله وحمده ؛ ويصله بخالقه وخالق المشاهد والظواهر والآونة والأحوال .
{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته ، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض ، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لان آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر ، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر ويجوز أن يكون { عشيا } معطوفا على { حين تمسون } وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } اعتراضا . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن الآية جامعة للصلوات الخمس { تمسون } صلاتا المغرب والعشاء ، و{ تصبحون } صلاة الفجر و{ عشيا } صلاة العصر ، و{ تظهرون } صلاة الظهر . ولذلك زعم الحسن أنها مدينة لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة ، والأكثر على إنها فرضت بمكة . وعنه عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية " . وعنه عليه والسلام " من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قال حين يمسي أدرك ما فاته في يومه " وقرئ " حينا تمسون " و " حينا تصبحون " أي تمسون فيه وتصبحون فيه .
وقوله تعالى : { فسبحان الله } خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات ، كأنه يقول إذ هذه الفرق هكذا من النعمة والعذاب فجدوا أيها المؤمنون في طريق الفوز برحمة الله ، وقال ابن عباس وقتادة وبعض الفقهاء : في هذه الآية على أربع صلوات : المغرب والصبح والعصر والظهر ، قالوا والعشاء هي الآخرة في آية أخرى في { زلفاً من الليل }{[9291]} [ هود : 114 ] وفي ذكر أوقات العورة{[9292]} ، وقال ابن عباس أيضاً وفرقة من الفقهاء : في هذه الآية تنبيه على الصلوات الخمس لأن قوله تعالى { حين تمسون } يتضمن الصلاتين .