قوله تعالى : { فبئس المهاد هذا } يعني : هذا العذاب ، { فليذوقوه حميم وغساق } قال الفراء : يعني هذا حميم وغساق فليذوقوه ، والحميم : الماء الحار الذي انتهى حره . وغساق : قرأ حمزة ، و الكسائي وحفص : وغساق حيث كان بالتشديد ، وخففها الآخرون ، فمن شدد جعله اسماً على نحو الخباز والطباخ ، ومن خفف جعله اسماً على فعال نحو العذاب . واختلفوا في معنى الغساق ، قال ابن عباس : هو الزمهرير يحرقهم ببرده ، كما تحرقهم النار بحرها . قال مقاتل و مجاهد : هو الذي انتهى برده . وقيل : هو المنتن بلغة الترك . وقال قتادة : هو ما يغسق أي : ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ، ولحومهم ، وفروج الزناة ، من قولهم : غسقت عينه إذا انصبت ، والغسقان الانصباب .
{ هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاق } : واسم الإشارة هنا مرفوع على الابتداء ، وخبره قوله { حَمِيمٌ وَغَسَّاق } وما بينهما اعتراض .
والحميم : الماء الذى بلغ النهاية فى الحرارة ، والغساق : صديد يسيل من أجساد أهل النار مأخوذ من قولهم غسق الجرح - كضرب وسمع - غسقانا إذا سال منه الصديد وما يشبهه .
أى : هذا هو عذابنا الذى أعددناه لهم ، يتمثل فى ماء بلغ الغاية فى الحرارة ، وفى قيح وصديد يسيلان من أجسادهم ، فليذوقوا كل ذلك جزاء كفرهم وجحودهم
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هذا فليذوقوه حميم} الحار الذي انتهى حره وطبخه.
{وغساق} البارد الذي قد انتهى برده، نظيرها في عم يتساءلون: {حميما وغساقا} [النبأ:25] فينطلق من الحار إلى البارد، فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق في النار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ"، يقول تعالى ذكره: هذا حميم، وهو الذي قد أُغلي حتى انتهى حرّه، وغساق فليذوقوه...
وقوله: "وَغَسّاقٌ": اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين والشام بالتخفيف: «وَغَسَاقٌ» وقالوا: هو اسم موضوع. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَغَسّاقٌ مشدّدة، ووجهوه إلى أنه صفة من قولهم: غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقا: إذا سال، وقالوا: إنما معناه: أنهم يُسْقَون الحميم، وما يسيل من صديدهم.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان التشديد في السّين أتمّ عندنا في ذلك، لأن المعروف ذلك في الكلام، وإن كان الآخر غير مدفوعة صحته.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو ما يَسيل من جلودهم من الصديد والدم.
وقال آخرون: هو البارد الذي لا يُستطاع من برده...
ويقول آخرون: لا بل هو أنتن النَتْن...
وقال آخرون: بل هو المُنْتِن...
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو ما يسيل من صديدهم، لأن ذلك هو الأغلب من معنى الْغُسُوق، وإن كان للآخر وجه صحيح.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
تقديره: هذا عذاب جهنم فليذوقوه حميم وغساق، ويجوز أن تجعله مستأنفا كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت منه حميم وغساق، أمرهم الله بذواق الحميم؛ لأن الذواق ابتداء إدراك الطعم على طلبه بالفم، ولذلك يقال: ذقته فلم أجد له طعما لما فيه من طلب إدراك الطعم بالفم، ومن طلب إدراك الشيء كان أشد إحساسا به.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الغساق: سائل يسيل في جهنم، يقال: غَسَق الجُرح، إذا سال منه ماء أصفر. وأحسب أن هذا الاسم بهذا الوزن أطلقه القرآن على سائل كريه يُسْقَوْنه كقوله:
{بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب} [الكهف: 29]. وأحسب أنه لم تكن هذه الزنة من هذه المادة معروفة عند العرب، وبذلك يومئ كلام الراغب، وهذا سبب اختلاف المفسرين في المراد منه، والأظهر: أنه صيغ له هذا الوزن ليكون اسماً لشيء يشبه ما يغسِقَ به الجرح، ولذلك سمّي بالمهل والصديد في آيات أخرى...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.