قوله تعالى : { قل أرأيتكم } ، هل رأيتم ؟ والكاف فيه للتأكيد ، وقال الفراء رحمه الله : العرب تقول أرأيتك ؟ وهم يريدون أخبرنا ؟ كما تقول : أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل ؟ أي : أخبرني ، وقرأ أهل المدينة ( أرأيتكم ، وأرايتم ، وأرايت ) بتليين الهمزة الثانية ، والكسائي بحذفها . قال ابن عباس : قل يا محمد لهؤلاء المشركين أرأيتكم .
قوله تعالى : { إن أتاكم عذاب الله } ، قبل الموت .
قوله تعالى : { أو أتتكم الساعة } ، يعني : يوم القيامة .
قوله تعالى : { أغير الله تدعون } ، في صرف العذاب عنكم .
قوله تعالى : { إن كنتم صادقين } ، وأراد أن الكفار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر الله عنهم : { وإذا غشيهم موج كالظل دعوا الله مخلصين له الدين } . [ لقمان : 32 ] .
{ 40 ، 41 } { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }
يقول تعالى لرسوله : { قُلْ } للمشركين بالله ، العادلين به غيره : { أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : إذا حصلت هذه المشقات ، وهذه الكروب ، التي يضطر إلى دفعها ، هل تدعون آلهتكم وأصنامكم ، أم تدعون ربكم الملك الحق المبين .
ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين عند ما تحيط بهم المصائب والأهوال لا يتوجهون بالضراعة والدعاء إلا إلى الله ، وأنهم مع ذلك لا يخصونه بالعبادة كما يخصونه بالدعاء لكشف الضر ، فقال - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ . . . . } .
{ أَرَأَيْتَكُم } المقصود به أخبرونى ، وكلمة أرأيت فى القرآن تستعمل للتنبيه والحث على الرؤية والتأمل ، فهو استفهام للتنبيه مؤداه : أرأيت كذا فإن لم تكن رأيته فانظره وتأمله .
والمعنى : قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين : أخبرونى عن حالكم عندما يداهمكم عذاب الله الدنيوى كزلزال مدمر ، أو ريح صر صر عاتية ، أو تفاجئكم الساعة بأهوالها وشدائدها ألستم فى هذه الأحوال تلتجئون إلى الله وحده وتنسون آلهتكم الباطلة ، لأن الفطرة حينئذ هى التى تنطق على ألسنتكم بدون شعور منكم ؟ وما دام الأمر كذلك فلماذا تشركون مع الله آلهة أخرى ؟ إن أحوالكم هذه لتدعو إلى الدهشة والغرابة ، لأنكم تلجأون إليه وحده عند الشدائد والكروب ومع ذلك تعبدون غيره ومن لا يملك ضرا ولا نفعا .
والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ } للتوبيخ والتقريع والتعجب من حالهم .
وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إن كنتم صادقين فى أن الأصنام تنفعكم فادعوها .
( قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ، أغير الله تدعون - إن كنتم صادقين - بل إياه تدعون ، فيكشف ما تدعون إليه - إن شاء - وتنسون ما تشركون ) . .
هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة يضم إلى ذلك الطرف الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة وفيما قبلها وما بعدها كذلك في سياق السورة .
لقد خاطبها هناك بما في عوالم الأحياء من آثار التدبير الإلهي والتنظيم ؛ وبما في علم الله من إحاطة وشمول . وهو هنا يخاطبها ببأس الله ؛ وبموقف الفطرة إزاءه حين يواجهها في صورة من صورة الهائلة ، التي تهز القلوب ، فيتساقط عنها ركام الشرك ؛ وتتعرى فطرتها من هذا الركام الذي يحجب عنها ما هو مستقر في أعماقها من معرفتها بربها ، ومن توحيدها له أيضا :
( قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة . . أغير الله تدعون . . إن كنتم صادقين ) . .
إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول . . عذاب الله في الدنيا عذاب الهلاك والدمار ؛ أو مجيء الساعة على غير انتظار . . والفطرة حين تلمس هذه اللمسة ؛ وتتصور هذا الهول ؛ تدرك - ويعلم الله سبحانه أنها تدرك - حقيقة هذا التصور ، وتهتز له ؛ لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها ، يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور ؛ فتهتز لها وترتجف وتتعرى !
وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم ؛ ليكون تعبيرا عن الصدق في فطرتهم :
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد ، المتصرف في خلقه بما يشاء ، وأنه لا مُعقِّب لحكمه ، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه ، بل هو وحده لا شريك له ، الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء ؛ ولهذا قال : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ } أي : أتاكم هذا أو هذا{[10682]} { أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على دفع ذلك سواه ؛ ولهذا قال : إن { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : في اتخاذكم آلهة معه .
{ قل أرأيتكم } استفهام تعجيب ، والكاف حرف خطاب أكد به الضمير للتأكيد لا محل له من الإعراب لأنك تقول : أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت الكاف مفعولا كما قاله الكوفيون لعديت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل ، وللزم في الآية أن يقال : أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره : أرأيتكم آلهتكم تنفعكم . إذ تدعونها . وقرأ نافع أرأيتكم وأرأيت وأرأيتم وأفرأيتم وأفرأيت وشبهها إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة التي بعد الراء ، والكسائي يحذفها أصلا ، والباقون يحققونها وحمزة إذا وقف وافق نافعا . { إن أتاكم عذاب الله } كما أتى من قبلكم . { أو أتتكم الساعة } وهو لها ويدل عليه . { أغير الله تدعون } وهو تبكيت لهم . { إن كنتم صادقين } أن الأصنام آلهة وجوابه محذوف أي فادعوه .