غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (40)

38

ثم بين غاية جهالة الكفار وأنهم مع جحودهم يفزعون إلى الله في البليات فقال { قل أرأيتكم } هو منقول من رأيت بمعنى : أبصرت أو عرفت كأنه قيل : أبصرته وشاهدت حاله العجيبة ، أو أعرفتها أخبرني عنها ، فلا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة بشيء . فهذا من باب إيقاع السبب على المسبب ؛ لأن الإخبار إنما يكون بعد المشاهدة أو العرفان . أما إعرابه : فالتاء ضمير الفاعل ، والكاف للخطاب . فالتاء يكون بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث . وتختلف هذه المعاني على الكاف نحو : أرأيتك أرأيتكما أرأيتكم أرأيتكن . والتاء في جميع ذلك مفتوحة ، والكاف حرف خطاب وليست اسماً ، وإلا لكانت إما مجرورة ولا جار ، وإما مرفوعة ، وليست الكاف من ضمائر المرفوع ولا رافع أيضاً ، لأن التاء فاعل ولا يكون لفعل فاعلان ، وإما منصوبة وهو باطل من وجوه : أحدها أن هذا الفعل قد يتعدى إلى مفعولين ، نحو أرأيتك زيداً ما شأنه . فلو جعلت الكاف مفعولاً لكان ثالثاً . وثانيها لو كان مفعولاً لكان هو الثاني في المعنى ، وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ولذلك قلت : أرأيتك زيداً ، وزيد غير المخاطب ولا هو بدل منه . وثالثها لو كان منصوباً على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء نحو : أرأيتماكما وأرأيتموكم وأرأيتموكن . وقد ذهب الفراء إلى أنه اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع ويجوز تصريف التاء . فأما مفعولا أرأيت في الآية فقيل : هما محذوفان تقديره أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجيء الساعة ؟ ودل عليه قوله { أغير الله تدعون } وقيل : لا يحتاج هاهنا إلى المفعول لأن الشرط وجوابه قد حصلا معنى المفعول ، وأما جواب الشرط فما دل عليه الاستفهام في قوله { أغير الله } تقديره أرأيتكم الساعة دعوتم الله وحاصل الآية قل يا محمد لهؤلاء الكفار أرأيتكم إن أتاكم العذاب في الدنيا أو عند قيام الساعة ، أتخصون آلهتكم بالدعوة أم تدعون الله دونها .

/خ50