نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (40)

ولما كانت هذه الآية - بما فيها من التصريح بالتكذيب - شديدة الاعتناق لقوله{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً }[ الأنعام : 21و 39 ] وقوله{ كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباؤا }[ الأنعام : 5 ] الآيتين رجع{[29544]} بالذي بعدها إلى فذلكة{[29545]} التفاصيل الماضية وواسطة عقدها وفريدة درها{[29546]} ، وهو التوحيد الذي أبانته الأدلة قبل الآيتين ، فقال دالاً على اعتقادهم القدرة التي استلزم نعتُهم بطلب الآية نفيها{[29547]} ، واعتقادهم للتوحيد في الجملة وهم يكذبون به{[29548]} ، بياناً لأنهم في الظلمات مقهورون بيد المشيئة لعدم تحاشيهم من التناقض معجباً منهم : { قل أرءيتكم } أي أخبروني يا من كذب بالآيات والقدرة{[29549]} عناداً وشهد{[29550]} أن مع الله آلهة أخرى ، وعدل{[29551]} بالله الذي يعلم السر والجهر ، وهو مع من يدعوه في كل سماء وكل أرض بعنايته{[29552]} ونصره .

ولما كانت حقيقة { أرءيتكم } : هل رأيتم أنفسكم ، وكان هذا لكونه سؤالاً عن معلوم لا يجهله أحد - مشيراً{[29553]} إلى أن السؤال عن غيره مما قد يخفى من أحوال النفس ، كان كأنه قيل : عن أيّ أحوال نفوسنا نُسأل ؟ فقيل تنبيهاً لهم على حالة تلزمهم بالتوحيد أو العناد الذي يصير في العلم به كالسؤال عن رؤية النفس سواء : { إن أتاكم } أي قبل مجيء الساعة كما آتى من قبلكم { عذاب الله } أي المستجمع لمجامع العظمة ، فلا يقدر أحد على كشف ما يأتي به { أو أتتكم الساعة } أي القيامة بما فيها من الأهوال .

ولما عجب منهم بما مضى - كما مضى ، قال مجيباً للشرط موبخاً لهم منكراً عليهم عدم استمرارهم على دعائه{[29554]} ولزوم سؤاله وندائه ، ويجوز أن يكون جواب الشرط محذوفاً تقديره : من تدعون ؟ ثم زادهم توبيخاً وتبكيتاً بقوله{[29555]} : { أغير الله } أي الملك الذي له العظمة كلها { تدعون } أي لشدة من تلك الشدائد ، ولا تدعون الله مع ذلك الغير { إن كنتم صادقين * } أي في أن غير الله يغني شيئاً حتى يستحق الإلهية ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فادعوا ذلك الغير ، وهذه حجة لا يسعهم{[29556]} معها غيرُ التسليم ، فإن عادتهم{[29557]} كانت مستمرة أنهم إذا اشتد الأمر وضاق الخناق لا يدعون غير الله ولا يوجهون الهمم إلا إليه ، فإن سلكوا سبيل الصدق الذي له ينتحلون وبه يتفاخرون فقالوا : لا ندعو غيره ، فقد لزمتهم الحجة في أنه لا يعدل به شيء ولا شريك له ، وإن عاندوا نطق{[29558]} لسان الحال أنهم على محض الضلال ، وإن سكتوا أثبت عليك الخطاب{[29559]} ، وهي مع ذلك - كما ترى - دليل على ما أخبرت به الآية{[29560]} قبلها من أن الأمر كله لله ، أي إنكم كلكم مشتركون في وضوح الأمر في أنه{[29561]} لا منصرف إلا إليه{[29562]} وقد افترقتم{[29563]} فصدق بعض{[29564]} وكذب آخرون ، فلو أن الأمر موقوف على وضوح الدلالة فقط كان الكل على نهج واحد ، هذا ونقل أبو حيان عن الفراء أنه قال : للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان : أحدهما أن تسأل{[29565]} الرجل : أرأيت زيداً{[29566]} ، أي بعينك ، فهذه مهموزة ، وثانيهما أن تقول{[29567]} : أرأيت ، وأنت تريد{[29568]} : أخبرني ، فهاهنا{[29569]} تترك الهمزة إن شئت ، وهو أكثر{[29570]} كلام العرب ، وتومئ{[29571]} إلى ترك الهمزة للفرق بين المعنيين ؛ ثم قال أبو حيان : وكون أرأيت وأرأيتك بمعنى أخبرني{[29572]} نص عليه سيبويه وغيره من أئمة العرب ، وهو تفسير معنى لا تفسير إعراب ، لأن أخبرني{[29573]} يتعدى بعن ، و{[29574]} أرأيت متعد{[29575]} لمفعول به صريح وإلى جملة استفهامية هي في موضع المفعول الثاني ؛ وقال في سورة يونس عليه السلام : تقدم في سورة الأنعام أن العرب تضمن أرأيت معنى أخبرني وأنها تتعدى{[29576]} إذ ذاك إلى مفعولين ، و{[29577]} أن المفعول الثاني أكثر ما يكون جملة استفهام ، ينعقد منها ومما قبلها مبتدأ وخبر ، يقول العرب : أرأيت زيداً ما صنع ؟ المعنى : أخبرني{[29578]} عن زيد ما صنع ! وقبل دخول أرأيت كان الكلام : زيد ما صنع - انتهى .

قلت : وحقيقة المعنى كما مر : هل رأيت زيداً ؟ فلما استفهم عن رؤيته - والمراد الخبر لا البصر - عُلم أن السؤال عن بعض أحواله ، فكأنه قيل : ما له ؟ فقيل : ما صنع ؟ .


[29544]:في ظ: وجع.
[29545]:في ظ: تلك.
[29546]:في الأصل و ظ: ردها- كذا.
[29547]:في ظ: معها.
[29548]:من ظ، وفي الأصل: يهدي.
[29549]:من ظ، وفي الأصل: العقدة.
[29550]:في ظ: اشهد.
[29551]:من ظ، وفي الأصل: غدر- كذا.
[29552]:في الأصل: بغنايه، وفي ظ: بعنايته- كذا.
[29553]:من ظ، وفي الأصل: مشير.
[29554]:في ظ: دعايهم.
[29555]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[29556]:في ظ: لا يستفهم- كذا.
[29557]:في ظ: عداتهم- كذا.
[29558]:سقط من ظ.
[29559]:في الأصل: الخطاب، وفي ظ: الحقايب- كذا.
[29560]:في ظ: العادة.
[29561]:في ظ: لا يتصرف إلا الله.
[29562]:في ظ: لا يترف إلا الله.
[29563]:من ظ، وفي الأصل: احترفتم- كذا.
[29564]:من ظ، وفي الأصل: بعضهم.
[29565]:من البحر المحيط 4/125، وفي الأصل: يسئل، وفي ظ: إما أن قيل- كذا.
[29566]:في ظ: زيد.
[29567]:من البحر، وفي الأصل و ظ: يقول.
[29568]:في البحر:ى تقول- كذا.
[29569]:في ظ: وههنا.
[29570]:في ظ: الأكثر.
[29571]:من ظ والبحر، وفي الأصل: وقرى.
[29572]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29573]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29574]:في ظ: رأيت يتعدى- كذا.
[29575]:في ظ: رأيت يتعدى- كذا.
[29576]:من ظ، وفي الأصل: متعدى.
[29577]:سقط من ظ.
[29578]:تكرر في ظ.