قوله تعالى :{ أفتمارونه على ما يرى } قرأ حمزة والكسائي ويعقوب : ( أفتمرونه ) بفتح التاء بلا ألف ، أي : أفتجحدونه ، تقول العرب : مريت الرجل حقه إذا جحدته ، وقرأ الآخرون : ( أفتمارونه ) بالألف وضم التاء ، على معنى أفتجادلونه على ما يرى ، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به ، والمعنى : أفتجادلونه جدالاً ترمون به دفعه عما رآه وعلمه .
{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }
ثم وبخ - سبحانه - المشركين على تكذيبهم للنبى - صلى الله عليه وسلم - فيما يخبرهم عنه من شئون الوحى ، فقال : { أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى } .
والمماراة : المجادلة والملاحاة بالباطل . يقال : مارَى فلان فلانا مماراة ومِرَاء ، إذا جادله ، مأخوذ من مَرَى الناقة يَمْريها . إذا مسح ضرعها ليستدر لبنها ، ويأخذه كاملا ، فشبه الجدال بذلك ، لأن كل واحد من المتجادلين يَمرِّى ما عند صاحبه ، أى : يسعى لاستخراج كل ما عنده ، حتى يقيم الحجة عليه .
وعدى الفعل بعلى لتضمنه معنى المغالبة .
أى : أفتجادلون نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيما رآه بعينيه ، وتجادلونه فى شىء هو تحقق منه بعقله وبصره ، وهو ملاقاته ورؤيته لأمين وحينا جبريل - عليه السلام - ؟ إن مجادلتكم له فى ذلك ، هو من قبيل التعنت الواضح ، والجهل الفاضح ، لأنكم كذبتموه وجادلتموه فى شىء هو قد رآه وتحقق منه ، وأنتم تعلمون أنه صادق أمين .
فالمقصود بالاستفهام تبكيتهم وتجهيلهم على جدالهم بالباطل .
هذا وقد ذكر العلماء ، أن هذه الآيات ، تشير إلى رؤية النبى - صلى الله عليه وسلم - لجبريل ، على الهيئة التى خلقه الله - تعالى - عليها ، فقد كان جبريل يأتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى صورة آدمى ، فسأله أن يريه نفسه على صورته التى خلق عليها ، فأراه نفسه مرتين : مرة فى الأرض وهى التى تشير إليها هذا الآيات ، ومرة فى السماء ، وهى التى تشير إليها الآيات التالية .
وقد توسع الإمام ابن كثير فى ذكر الأحاديث التى وردت فى ذلك فقال ما ملخصه :
عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ير جبريل فى صورته إلى مرتين ، أما واحدة فإنه سأله أن يراه فى صورته ، فسد الأفق ، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد .
وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .
وقوله : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } قال مسلم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكيع ، حدثنا الأعمش ، عن زياد بن حُصَين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رآه بفؤاده مرتين{[27588]} .
وكذا رواه سِمَاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . وكذا قال أبو صالح والسّدي وغيرهما : إنه رآه بفؤاده مرتين [ أو مرة ] {[27589]} ، وقد خالفه ابن مسعود وغيره {[27590]} ، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية ، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد . ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، وقولُ البغوي في تفسيره : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسنُ وعكرمة . فيه نظر ، والله أعلم {[27591]} .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن عمرو بن نَبْهان {[27592]} بن صفوان ، حدثنا يحيى بن كثير العنبري ، عن سَلْم بن جعفر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه . قلت : أليس الله يقول : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] قال : ويحك ! ذاك إذا تَجَلى بنوره الذي هو نُورُه ، وقد رأى ربه مرتين .
ثم قال : حسن غريب{[27593]} .
وقال أيضا : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : لقي ابن عباس كعبًا بعرفة ، فسأله عن شيء فكَبَّر حتى جاوبته الجبال ، فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم فقال كعب : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى ، فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وقال مسروق : دخلتُ على عائشة فقلت : هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري . فقلت : رُوَيدًا ، ثم قرأتُ : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }
فقالت : أين يُذهَبُ بك ؟ إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمرَ به ، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ } [ لقمان : 34 ] ، فقد أعظم الفرية {[27594]} ، ولكنه رأى جبريل ، لم يره في صورته إلا مرتين ، مرة عند سدرة المنتهى ومرة في جياد{[27595]} ، وله ستمائة جناح قد سد الأفق{[27596]} .
وقال النسائي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الحُلَّة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، عليهم السلام ؟ !{[27597]} .
وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل رأيتَ ربك ؟ فقال : " نورٌ أنّى أراه " . وفي رواية : " رأيت نورا " {[27598]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن موسى بن عُبيدةَ ، عن محمد بن كعب قال : قالوا : يا رسول الله ، رأيت{[27599]} ربك ؟ قال : " رأيته بفؤادي مرتين " ثم قرأ : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } .
ورواه ابنُ جرير ، عن ابن حُمَيد ، عن مِهْرَان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلنا : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " لم أره بعيني ، ورأيته بفؤادي مرتين " ثم تلا { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } {[27600]} .
ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرني عَبَّاد بن منصور قال : سألت عكرمة : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فقال عكرمة : تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت : نعم . قال : قد رآه ، ثم قد رآه . قال : فسألت عنه الحسن فقال : رأى جلاله وعَظَمته ورِداءَه .
وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مجاهد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، أخبرنا أبو خلدة ، عن أبي العالية قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : " رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير " {[27601]} .
وذلك غريب جدا ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي عز وجل " {[27602]} .
فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ، لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد أيضا :
حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني ربي الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : لا . فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بَرْدَها بين ثدييّ - أو قال : نَحْرِي - فعلمت ما في السموات وما في الأرض ، ثم قال : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : نعم ، يختصمون في الكفارات والدرجات " . قال : " وما الكفارات والدرجات ؟ " قال : " قلت : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجُمُعات{[27603]} ، وإبلاغ الوضوء في المكاره ، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه . وقال : قل يا محمد إذا صليت : اللهم ، إني أسألك الخيرات {[27604]} وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون " . قال : " والدرجات بَذْلُ الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام " {[27605]} .
وقد تقدم في آخر سورة " ص " ، عن معاذ نحوه {[27606]} . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس ، وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال :
حدثني أحمد بن عيسى التميمي ، حدثني سليمان بن عُمَر بن سَيَّار ، حدثني أبي ، عن سعيد بن زَرْبِي ، عن عمر بن سليمان {[27607]} ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا يا رب . فوضع يده بين كتفي فوجدت بَرْدَها بين ثدييّ ، فعلمت ما في السموات والأرض ، فقلت : يا رب ، في الدرجات والكفارات ، ونقل الأقدام إلى الجُمُعات{[27608]} ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فقلت : يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمتَ موسى تكليما ، وفعلت وفعلت ، فقال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وِزْرَك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال : " فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها " قال : " فذاك قوله في كتابه : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى . مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فجعل نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي " . إسناده ضعيف{[27609]} .
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَبَّار بن الأسود ، رضي الله عنه ؛ أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة : اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى . فبلغ قوله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سَلَّطَ الله عليه كلبا من كلابه " . قال هبار : فكنت معهم ، فنزلنا بأرض كثيرة الأسد ، قال : فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحدا واحدا ، حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم{[27610]} .
وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة : أن ذلك كان بأرض الزرقاء ، وقيل : بالسراة ، وأنه خاف ليلتئذ ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ، فجاء الأسد فجعل يزأر ، ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ، لعنه الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىَ مَا يَرَىَ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىَ * عِندَهَا جَنّةُ الْمَأْوَىَ * إِذْ يَغْشَىَ السّدْرَةَ مَا يَغْشَىَ } .
اختلفت القرّاء في قراءة أفَتُمارُونَهُ ، فقرأ ذلك عبد الله بن مسعود وعامة أصحابه «أفَتَمْرُونهُ » بفتح التاء بغير ألف ، وهي قراءة عامة أهل الكوفة ، ووجهّوا تأويله إلى أفتجحدونه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم أنه كان يقرأ : «أفَتَمْرُونَهُ » بفتح التاء بغير ألف ، يقول : أفتجحدونه ومن قرأ أفَتُمارُونَهُ قال : أفتجادلونه . وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين أفَتُمارُونَهُ بضم التاء والألف ، بمعنى : أفتجادلونه .
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أراه الله ليلة أُسري به وجادلوا في ذلك ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وتأويل الكلام : أفتجادلون أيها المشركون محمدا على ما يرى مما أراه الله من آياته .
{ أفتمارونه على ما يرى } أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه . وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب " أفتمرونه " أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ، أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم .
وتفريع { أفتمارونه } على جملة { ما كذب الفؤاد ما أرى } .
وقرأ الجمهور { أفتمارونه } من المماراة وهي الملاحاة والمجادلة في الإِبطال . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف { أفتمرونه } بفتح الفوقية وسكون الميم مضارع مَرَاه إذا جحده ، أي أتجحدونه أيضاً فيما رأى ، ومعنى القراءتين متقارب .
وتعدية الفعل فيهما بحرف الاستعلاء لتضمنه معنى الغلبة ، أي هَبْكُم غالبتموه على عبادتكم الآلهة ، وعلى الإِعراض عن سماع القرآن ونحو ذلك أتغلبونه على ما رأى ببصره .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلفت القرّاء في قراءة" أفَتُمارُونَهُ"؛ فقرأ ذلك عبد الله بن مسعود وعامة أصحابه «أفَتَمْرُونهُ» -بفتح التاء بغير ألف-، وهي قراءة عامة أهل الكوفة، ووجهّوا تأويله إلى: أفتجحدونه...
ومن قرأ "أفَتُمارُونَهُ "قال: أفتجادلونه. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين "أفَتُمارُونَهُ" -بضم التاء والألف-، بمعنى: أفتجادلونه.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أراه الله ليلة أُسري به وجادلوا في ذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: أفتجادلون أيها المشركون محمدا على ما يرى مما أراه الله من آياته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال أبو عُبَيد: بالأولى أن يُقرأ بمعنى الجحود؛ وذلك أن المشركين إنما كان شأنهم الجحود في ما يأتيهم من الخبر السّماوي، وهو أكبر من المُماراة والمجادلة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومن قرأ "أفتمارونه " أراد أفتجادلونه وتخاصمونه مأخوذ من المراء وهو المجادلة (على ما يرى) يعني على الشيء الذي يراه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{أفتمارونه} خطاب لقريش، وهو من المراء والمعنى أتجادلونه في شيء رآه وأبصره.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وعبر بالمضارع استحضاراً للصورة الماضية لما فيها من الغرابة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وتعدية الفعل فيهما بحرف الاستعلاء لتضمنه معنى الغلبة، أي هَبْكُم غالبتموه على عبادتكم الآلهة، وعلى الإِعراض عن سماع القرآن ونحو ذلك، أتغلبونه على ما رأى ببصره...