{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى( 8 ) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى( 9 ) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى( 10 ) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى( 11 ) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى( 12 ) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى( 13 ) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ( 14 )عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى( 15 ) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى( 16 ) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى( 17 ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى( 18 ) } .
ثم اقترب جبريل من محمد ، فكان من النبي الكريم مقدار قاب قوسين- قدر قوسين عربيتين- وقيل{ أو } بمعنى الواو أي قاب قوسين وأدنى ، وقيل : بمعنى بل ، أي بل أدنى ، والقاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه ، فأخبر أن جبريل قرب من محمد كقرب قاب قوسين ، وقيل : قدر ذراعين ، والقوس : الذراع يقاس بها كل شيء ، فأوحى جبريل بأمر ربه إلى محمد عبد الله ورسوله ما أوحاه- تفخيم للوحي الذي أوحي إليه- والإضمار ولم يجر له تعالى ذكر لكونه في غاية الظهور ، ومنه قول المولى تبارك اسمه { إنا أنزلناه في ليلة القدر }{[5776]} ؛ ما كذب فؤاد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما رآه من جلال ونور مولاه ، أو ما شاهده من صورة جبريل عليه السلام ؛ أفتجادلون محمد على ما رآه ، أو ما يراه ؟ ولقد رأى النبي ربه عز وجل ؛ أو رأى جبريل في صورته مرة ثانية عند شجرة في السماء عظيمة إليها ينتهي علم العلماء ومنازل الشهداء ، وعندها جنة المستقر ، وما أعجب ما يغشى تلك الشجرة ويغطيها من البهاء ؛ وما اعوج بصر النبي ولا مال عما رآه ، ولا تجاوزه بل تحراه وما تعداه ؛ وقسما قد رأى من دلائل قدرة ربه وبرهان حكمه علامات وآية كبرى .
أقول غير ما تقدم : فعن الحسن أن { شديد القوى } هو الله تعالى ، وجمع القوى للتعظيم ، ويفسر{ ذو مرة } – عليه- بذي حكمة ونحوه مما يليق أن يكون وصفا له عز وجل ، وجعل أبو حيان الضميرين في قوله تعالى : { فاستوى . وهو بالأفق الأعلى }- عليه- له سبحانه أيضا ، وقال : إن ذلك على معنى العظمة والقدرة والسلطان ، ولعل[ الحسن ] يجعل الضمائر في قوله سبحانه : { ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى } له عز وجل أيضا ، وكذا الضمير المنصوب في قوله تعالى : { ولقد رآه نزلة أخرى } فقد كان عليه رحمة الله تعالى يحلف بالله تعالى : لقد رأى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ربه ، وفسر دنوه تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم برفع مكانته . . وأريد بنزوله سبحانه نوع من دنوه المعنوي جل شأنه .
ومذهب السلف في مثل ذلك إرجاع علمه إلى الله تعالى بعد نفي التشبيه ؛ وجوز أن تكون الضمائر في{ دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى }- على ما روي عن الحسن- للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد : ثم دنا النبي صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه فكان منه عز وجل { قاب قوسين أو أدنى } . . وأَمْرُ المتشابه قد عُلِمَ ؛ وذهب غير واحد في قوله تعالى : { علمه شديد القوى } إلى قوله سبحانه : { وهو بالأفق الأعلى } إلى أنه في أمر الوحي وتلقيه من جبريل عليه السلام . . وفي قوله تعالى : { ثم دنا فتدلى } الخ إلى أنه في أمر العروج إلى الجانب الأقدس ، ودنوه سبحانه منه صلى الله تعالى عليه وسلم ورؤيته عليه السلام إياه جل وعلا ، فالضمائر في { دنا فتدلى } و{ كان }و{ أوحى } وكذا الضمير المنصوب في { رآه } الله عز وجل ، ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن البخاري من طريق شريك بن عبد الله : ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ؛ ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة . . الحديث ، فإنه ظاهر فيما ذكر . . [ . . أخرج مسلم من طريق يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنّى أراه " ]{[5777]} .
[ قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ، وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية . . . { أفتمارونه } . . أي أتجادلونه وتدافعونه في أنه رأى الله ؟ ]{[5778]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.