اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ} (12)

قوله : «أَفَتُمَارُونه » قرأ الأخوان أَفَتَمْرُونَهُ بفتح التاء وسكون الميم ، والباقون تُمَارُونَهُ . وعبد الله الشعبي أَفَتُمْرون بضم التاء وسكون الميم . فأما الأولى ففيها وجهان :

أحدهما : أنها من مَرَيْتُهُ حَقَّه إذا علمته وجَحَدتَهُ إياه ، وعدي بعلى لتضمنه معنى الغلبة . وأنشد :

لَئِنْ هَجَوْتَ{[53442]} أَخَا صِدْقٍ ومَكْرُمَةٍ *** لَقَدْ مَرَيْتَ أَخاً مَا كَانَ يَمْرِيكَا{[53443]}

لأنه إذا جحده حقه فقد غلبه عليه .

وقال المبردُ يقال : مَرَاهُ عَنْ حَقِّه وعَلَى حَقِّه إذا مَنَعَهُ منه ، قال : ومثلُ «على » بمعنى «عن » قول بني كعب بن ربيعة : «رَضِيَ اللَّه عَليكَ » ؛ أي : عَنْكَ{[53444]} .

والثاني : أنها من مَرَأَهُ على كذا أي غلبه عليه ، فهو من المِرَاءِ وهو الجِدَالُ .

وأما الثانية : فهي من مَارَاه يُمَارِيه مراءً أي جَادَلَهُ . واشتقاقه من مَرْي{[53445]} الناقة لأن كل واحد من المُتَجادِلَيْنِ يَمْرِي ما عند صاحبه . وكان من حقه أن يتعدى بفي كقولك : جَادَلْتهُ فِي كذا . وإنّما ضُمِّن معنى الغلبة . وأما قراءة عبد الله فمن أَمْراهُ رباعيًّا{[53446]} .

فصل

المعنى أفتجادلونه أي كيف تجادلونه على ما يرى ، وذلك أنهم جادلوه حين أُسْرِيَ به فقالوا : صِفْ لنا بيتَ المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه والمعنى أفتجادلونه جدالاً ترومون به دفعه عما رآه وعلمه وتيقَّنه . {[53447]}

فإن قيل : هلا قيل : أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به كما تقدم وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع ؟ فالجواب : أن التقدير أفتُمَارُونَه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه ؟{[53448]} .


[53442]:روي هجرت كما في القرطبي.
[53443]:من البسيط ولم أعرف قائله: وجيء به على أن المري معناه الجحد. وانظر الكشاف 4/29 والقرطبي 17/93 والبحر 8/159 بلفظ "سخرت" وروح المعاني 27/49 وفتح القدير 5/106.
[53444]:نقله في القرطبي 17/93.
[53445]:والمري مسح ضرع الناقة لتدرّ.
[53446]:القراءتان الأوليان متواتران ذكرتا في الكشف 23/294، 295 والبحر 8/159 والقرطبي 17/93 والسبعة 614 و615 والكشاف 4/29. وأما قراة عبد الله وأمثاله كالشعبي فهي شاذة وانظر البحر والكشاف في المرجعين السابقين ومختصر ابن خالويه 146. وقد نقل أبو حيان عن أبي حاتم تغليط تلك القراءة ولم يبين كل منهما وجه الغلط، وانظر تلك الاشتقاقات في اللسان (مرا) والكشف 2/294 و295.
[53447]:قال بذلك البغوي والخازن والقرطبي في تفاسيرهم السابقة.
[53448]:بالمعنى من الرازي 28/290 و291.