وقوله : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ } أى : وننصرهم يوم القيامة يوم يقدم الظالمون أعذارهم لكى نعفو عنهم . فلا يقبل منهم عذر واحد ، لأنها أعذار ساقطة . وجاءت فى غير وقتها .
ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله - تعالى - : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } لأن المقصود منهما واحد . وهو أنهم ليس لهم عذر مقبول حتى يلتفت إليهم ، وإنما عذرهم مرفوض رفضا تاما .
{ وَلَهُمُ اللعنة } من الله - تعالى - ومن عباده المؤمنين { وَلَهُمْ } - أيضا - { سواء الدار } وهى جهنم وسوؤها ما يسوء فيها من العذاب ، فالإِضافة من باب إضافة الصفة إلى الموصوف . أى : ولهم الدار السوءى .
وفى هاتين الآيتين ما فيهما من البشارة السارة العظيمة للمؤمنين ومن الإِهانة التى ليس بعدها إهانة للكافرين .
وقوله : { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } بدل من قوله : { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ } .
وقرأ آخرون : " يَوْمُ " بالرفع ، كأنه فسره به { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِين } ، وهم المشركون { مَعْذِرَتُهُم } أي : لا يقبل منهم عذر ولا فدية ، { وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ } أي : الإبعاد والطرد من الرحمة ، { وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } وهي النار . قاله السدي ، بئس المنزل والمقيل .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } أي : سوء العاقبة .
وقوله : لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرتُهُمْ يقول تعالى ذكره : ذلك يوم لا ينفع أهل الشرك اعتذارهم لأنهم لا يعتذرون إن اعتذروا إلا بباطل ، وذلك أن الله قد أعذر إليهم في الدنيا ، وتابع عليهم الحجج فيها فلا حجة لهم في الاَخرة إلا الاعتصام بالكذب بأن يقولوا : واللّهِ رَبّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ .
وقوله : وَلَهُمُ اللّعْنَةُ يقول : وللظالمين اللعنة ، وهي البُعد من رحمة الله وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ يقول : ولهم مع اللعنة من الله شرّ ما في الدار الاَخرة ، وهو العذاب الأليم .
و : { يوم لا ينفع } بدل من الأول . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وعيسى وأهل مكة «لا تنفع » بالتاء من فوق . وقرأ الباقون : «لا ينفع » بالياء ، وهي قراءة جعفر وطلحة وعاصم وأبي رجاء ، وهذا لأن تأنيث المعذرة غير حقيقي ، وأن الحائل قد وقع ، والمعذرة : مصدر يقع كالعذر . و : { اللعنة } : الإبعاد . و : { سوء الدار } فيه حذف مضاف تقديره : سوء عاقبة الدار .
و{ يومَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُم } بدل من { يوم يقوم الأشهاد } وهو منصوب على البدلية من الظرف . والمراد بالظالمين : المشركون . والمعذرة اسم مَصْدر اعتَذر ، وتقدم عند قوله تعالى : { قالوا معذرة إلى ربكم } في سورة [ الأعراف : 164 ] .
وظاهرُ إضافة المعذرة إلى ضميرهم أنهم تصدر منهم يومئذٍ معذرة يعتذرون بها عن الأسباب التي أوجبت لهم العذاب مثل قولهم : { ربنا هؤلاء أضلونا } [ الأعراف : 38 ] وهذا لا ينافي قوله تعالى : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } [ المرسلات : 36 ] الذي هو في انتفاء الاعتذار من أصله لأن ذلك الاعتذار هو الاعتذار المأذون فيه ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : { فيومئذٍ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم } في سورة [ الروم : 57 ] .
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف { لا ينفع } بالياء التحتية لأن الفاعل وهو « معذرة » غير حقيقي التأنيث وللفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول . وقرأ الباقون بالتاء الفوقية على اعتبار التأنيث اللفظي .
و { لَهُمُ اللَّعْنَةُ } عطف على جملة { لا يَنفَعُ الظالمين معذِرَتُهُم } أي ويوم لهم اللعنة . واللعنة : البعد والطرد ، أي من رحمة الله ، { ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } هي جهنم . وتقديم ( لهم ) في هاتين الجملتين للاهتمام بالانتقام منهم .