فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ} (52)

{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد( 51 )يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار( 52 ) } .

بشرى للمؤمنين أن الله القوي المتين مؤيدهم على من ناوأهم ، كما أيد المرسلين-ولو بعد حين- ومنتقم ممن آذاهم أجمعين ؛ وقد جاء ذلك مفصلا في قول المولى –تبارك اسمه- : { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون . أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون }{[4068]} .

يقول أبو جعفر محمد بن جرير : يقول القائل : وما معنى { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا } وقد علمنا أن منهم من قتله أعداؤه ومثلوا به كشعياء ويحيى بن زكريا وأشباههم ؛ ومنهم همّ بقتله قومه فكان أحسن أحواله أن يخلص منهم حتى فارقهم ناجيا بنفسه كإبراهيم الذي هاجر إلى الشام من أرضه مفارقا لقومه ، وعيسى الذي رفع إلى السماء إذ أراد قومه قتله ؛ فأين النصرة التي أخبرنا أنه ينصرها رسله والمؤمنين به في الحياة الدنيا . . ؟ . . معناه . . بإعلائنا هم على من كذبنا ، وإظفارنا هم بهم حتى يقهروهم غلبة ويذلوهم . . وإما بانتقامنا ممن حادّهم وشاقهم . . أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذبيهم . . اه .

ونقل عن السدي : ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله عز وجل من ينتقم لهم فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا .

روى البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب . . ){[4069]} .

هذا عن نصرة الرسل والمؤمنين في الدنيا ، والنصر الأعز يوم يجاء بالأشهاد-جمع شهيد- من النبيين ، والملائكة ، والمؤمنين ، والأجساد ، فينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ، ويُنادَوْنَ : { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } ويومئذ يخسر المبطلون ، ويُعْرَفُ المجرمون بسيماهم ، يومئذ لا تقبل منهم المعاذير ، { . . ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين }{[4070]} و{ اللعنة } : البعد من رحمة الله ، و{ سوء الدار } ما يسوءهم في دار العذاب من أوجاع الحريق ولهيبه ، والحميم والزقوم ، وغليهما في البطون ، مع ألم الحسرة والندامة ، والذل والمهانة ، أو أضيفت الصفة إلى الموصوف ، أي : الدار السوآى وبئس القرار .


[4068]:سورة الزخرف الآيتان: 41، 42.
[4069]:أورد ابن كثير، وفي الحديث:( إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب) جـ 4 ص8.
[4070]:سورة هود. من الآية 18.