{ وَقِيلَ } لهم على سبيل التأنيب والزجر { اليوم نَنسَاكُمْ } أي : نهملكم ونترككم في النار { كَمَا نَسِيتُمْ } أنتم في الدنيا وأنكرتم { لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا } وهو يوم القيامة { وَمَأْوَاكُمُ النار } أي : ومسكنكم الذي تؤوون إليه النار وبئس القرار .
{ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي : وليس لكم من ناصرين ينصرونكم ، ويخففون عنكم هذا العذاب الذي حل بكم .
{ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ } أي : نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أي : فلم تعملوا له ؛ لأنكم لم تصدقوا به ، { وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة : " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتَرْبَع ؟ فيقول : بلى ، يا رب . فيقول : أفظننت أنك مُلاقيّ ؟ فيقول : لا . فيقول الله تعالى : فاليوم أنساك كما نسيتني " {[26369]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هََذَا وَمَأْوَاكُمُ النّارُ وَمَا لَكُمْ مّن نّاصِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وقيل لهؤلاء الكفرة الذين وصف صفتهم : اليوم نترككم في عذاب جهنم ، كما تركتم العمل للقاء ربكم يومكم هذا . كما
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقِيلَ اليَوْمَ نَنْساكُمْ ، نترككم . وقوله : وَمأْوَاكُمُ النّارُ ، يقول : ومأواكم التي تأوون إليها نار جهنم ، وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ، يقول : وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله ، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذّبكم ، فيستنقذ لكم منه .
لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا { اليوم ننساكم } إلى آخره تأييساً لهم من العفو عنهم .
وبُني فعل { قيل } للنائب حطّاً لهم عن رتبة أن يصرح باسم الله في حكاية الكلام الذي واجههم به كما أشرنا إليه عند قوله آنفاً { وإذا قيل إن وعد الله حقٌ } [ الجاثية : 32 ] بناء على أن ضمير { ننساكم } ضمير الجلالة وَليس من قول الملائكة ، فإن كان من قول خزنة جهنم ببناءِ فِعل { وقيل } للنائب للعلم بالفاعل .
وأطلق النسيان على الترك المؤبد على سبيل المجاز المرسل لأن النسيان يستلزم ترك الشيء المنسي في محله أو تركه على حالته ، ويجوز أن يكون النسيان مستعاراً للإهمال وعدم المبالاة ، أي فلا تتعلق الإرادة بالتخفيف عنهم وعلى هذين الاعتبارين يفسر معنى النسيان الثاني .
والكاف في { كما نسيتم لقاء يومكم } للتعليل كما في قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] ، أي جزاء نسيانكم هذا اليوم ، أي إعراضكم عن الإيمان به .
واللقاء : وجدان شيء شيئاً في مكان ، وهو المصادفة يُقال : لقي زيد عمراً ، ولقي العصفور حبة . ولقاء اليوم ، أطلق اليومُ على ما فيه من الأحداث على سبيل المجاز المرسل لأنه أوجزُ من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال .
وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين في { يومكم } باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة ، ألا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] .
ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز تكميلاً لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر .
وعطف { ومأواكم النار } على { اليوم ننساكم } ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد فإن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله ، فالمعنى أنكم قد أَويْتم إلى النار فأنتم باقون فيها ، وتقدم نظير قوله : { وما لكم من ناصرين } قريباً ، والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد .