{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } : أي : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه وعناده وكفره ، فإنه لا حيلة لك في هدايته ، ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة .
لكن الغنى كل الغنى ، والفوز كل الفوز ، للمتقين الذين أعد لهم من الكرامة وأنواع النعيم ، ما لا يقادر قدره .
ثم بين - سبحانه - أن من أحاطت به خطيئته ، لن يستطيع أحد إنقاذه من العذاب فقال - تعالى - { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النار } .
والاستفهام للنفى ، والتقدير : أفمن وجب عليه العذاب بسبب إصراره على كفره حتى النهاية ، أفتستطيع أنت - أيها الرسول الكريم - أن تنقذه من هذا المصير الأليم ؟ لا - أيها الرسول الكريم - إنك لا تستطيع ذلك . لأن من سبق عليه قضاؤنا بأنه من أهل النار ، بسبب استحبابه الكفر على الإِيمان لن تستطيع أنت أو غيرك إنقاذه منها .
وقبل أن يعرض مشهد هؤلاء في نعيمهم في الآخرة يقرر أن عبدة الطاغوت قد وصلوا فعلاً إلى النار . وأن أحداً لا يملك أن ينقذهم من هذه النار :
( أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ? ) . .
والخطاب لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وإذا كان هو لا يملك إنقاذهم من النار التي هم فيها فمن يملكها إذن سواه ?
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ * لََكِنِ الّذِينَ اتّقَواْ رَبّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مّبْنِيّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللّهِ لاَ يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعَادَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْه كَلِمَةُ العَذَابِ بكفره .
وقوله : أَفأنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب ، فأنت تنقذه فاستغنى بقوله : تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ عن هذا . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : هذا مما يراد به استفهام واحد ، فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه ، فيردّ الاستفهام إلى موضعه الذي هو له . وإنما المعنى والله أعلم : أفأنت تنقذ من في النار من حقّت عليه كلمة العذاب . قال : ومثله من غير الاستفهام : أَيَعِدُكُمْ أنّكُمُ إذا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرابا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرِجُونَ فردّد «أنكم » مرّتين . والمعنى والله أعلم : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم ومثله قوله : لا تَحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنّهُمْ بِمَفازَة مِنَ العَذَابِ . وكان بعضهم يستخطىء القول الذي حكيناه عن البصريين ، ويقول : لا تكون في قوله : أَفَأنْتَ تُتْقِذُ مَنْ فِي النّارِ كناية عمن تقدم ، لا يقال : القوم ضربت من قام ، يقول : المعنى : ألتجرئة أفأنت تُنقذ من في النار منهم . وإنما معنى الكلمة : أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان ، فتنقذه من النار بالإيمان ؟ لست على ذلك بقادر .
{ أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } جملة شرطية معطوفة على محذوف دل عليه الكلام تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه ، فكررت الهمزة في الجزاء لتأكيد الإنكار والاستبعاد ، ووضع { من في النار } موضع الضمير لذلك وللدلالة على أن من حكم عليه بالعذاب كالواقع فيه لامتناع الخلف فيه ، وأن اجتهاد الرسل في دعائهم إلى الإيمان سعي في إنقاذهم من النار ، ويجوز أن يكون { أفأنت } تنقذ جملة مستأنفة للدلالة على ذلك والإشعار بالجزاء المحذوف .
أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين : أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل ، ولو كان متصلاً به لم يحسن ذلك ، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي ، وهذا أخف وأجوز من قولهم : حضر القاضي يوماً امرأة ، لأن التأنيث هنا حقيقي . وقالت فرقة : في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهرة عليه تقديراً : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير ، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار ، أي ليس هذا إليك . وقالت فرقة : الألف في قوله : { أفأنت } إنما هي مؤكدة زادها لطول ، وإنما معنى الآية : «أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه ؟ » لكنه زاد الألف الثانية توكيداً للأمر ، وأظهر الضمير العائد تشهيراً لهؤلاء القوم وإظهاراً لخسة منازلهم ، وهذا كقول الشاعر [ عدي بن زيد العبادي ] : [ الخفيف ]
لا أرى الموت يسبق الموت شيء*** . . . . . . . . . . . . . . . . .