{ 36 - 39 } { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس ، وهو مقابلة إساءته بالإحسان ، ذكر ما يدفع به العدو الجني ، وهو الاستعاذة بالله ، والاحتماء من شره فقال :
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } أي : أي وقت من الأوقات ، أحسست بشيء من نزغات الشيطان ، أي : من وساوسه وتزيينه للشر ، وتكسيله عن الخير ، وإصابة ببعض الذنوب ، وإطاعة له ببعض ما يأمر به { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي : اسأله ، مفتقرًا إليه ، أن يعيذك ويعصمك منه ، { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فإنه يسمع قولك وتضرعك ، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته .
ثم أرشد - سبحانه - عباده إلى ما يبعدهم عن كيد الشيطان ، فقال : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } .
والنزغ والنخس والغرز بمعنى واحد . وهو إدخال الإِبرة أو طرف العصا فى الجلد . المراد به هنا : وسوسة الشيطان وكيده للإِنسان .
والمعنى : وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك ، وتحملك على خلاف ما أمرك الله - تعالى - به . . . فاستعذ بالله ، أى : فالتجئ إلى حماه واستجر به من كيد الشيطان { إنه } - سبحانه - هو السميع لدعائك ، العليم بكل أحوالك ، القادر على دفع كيد الشيطان عنك .
فالآية الكريمة ترشد المؤمن إلى العلاج الذى يحميه من وسوسة الشيطان وكيده ، ألا وهو الاستعاذة بالله السميع لكل شئ ، العليم بكل شئ القادر على كل شئ .
( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ، إنه هو السميع العليم ) . .
فالغضب قد ينزغ . وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة . أو ضيق الصدر عن السماحة . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية ، تدفع محاولاته ، لاستغلال الغضب ، والنفاذ من ثغرته .
إن خالق هذا القلب البشري ، الذي يعرف مداخله ومساربه ، ويعرف طاقته واستعداده ، ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه ، يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب . أو نزغات الشيطان . مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم .
إنه طريق شاق . طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها ، حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ؛ ونقطة القياد ! ! !
وقوله : { وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي : إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه ، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك ، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه ، كفه عنك ورد كيده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قام إلى الصلاة يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " {[25735]} .
وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في " سورة الأعراف " عند قوله : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وفي سورة المؤمنين عند قوله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ } [ المؤمنون : 96 - 98 ] .
[ لكن الذي ذكر في الأعراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة ؛ لأن الإعراض عن الجاهل وتركه أخف على النفس من الإحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ولا انتقاد له إلا بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال ، فتنفعل له وتستعصى على صاحبها ، فتحتاج إلى مجاهدة وقوة إيمان ؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللام فقال : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ] {[25736]} .
وقوله : وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللّهِ . . . الاَية ، يقول تعالى ذكره : وإما يلقين الشيطان يا محمد في نفسك وسوسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة ، ودعائك إلى مساءته ، فاستجر بالله واعتصم من خطواته ، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته ، ولغير ذلك من كلامك وكلام غيرك ، العليم بما ألقى في نفسك من نزغاته ، وحدّثتك به نفسك ومما يذهب ذلك من قبلك ، وغير ذلك من أمور وأمور خلقه ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ قال : وسوسة وحديث النفس فاسْتَعِذْ باللّهِ مِنَ الشّيْطانِ الرّجِيمِ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وَإمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطانِ نَزْغٌ هذا الغضب .