قوله تعالى : { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } أي سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا ، وبعدها وضع : " إلا " موضع سوى وبعد ، وهذا كقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ( النساء-22 ) ، أي سوى ما قد سلف ، وبعد ما قد سلف ، وقيل : إنما استثنى الموتة الأولى ، وهي في الدنيا ، من موت في الجنة ؛ لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله إلى أسباب الجنة ، يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة ، فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها . { ووقاهم عذاب الجحيم } .
ثم بين - سبحانه - أن بقاءهم فى تلك الجنات بقاء دائم فقال : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم } .
أي : هم باقون بقاء دائما في تلك الجنات ، بحيث لا يموتون فيها أبدا ، إلا الموتة الأولى التي ذاقوها عند نهاية آجالهم في الدنيا ، ووقاهم - سبحانه - بعدها عذاب الجحيم ، الذي حل بالكافرين .
قال الآلوسي : وقوله : { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى } جملة مستأنفة أو حالية ، وكأنه أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع الموتة الأولى موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها . ونظيره قول القائل لمن يستسقيه : لا أسقيك إلا الجمر ، وقد علم أن الجمر لا يسقى .
وقوله : { لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى } هذا استثناء يؤكد النفي ، فإنه استثناء منقطع ومعناه : أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا{[26286]} موت ، ويا أهل النار خلود فلا{[26287]} موت " وقد تقدم الحديث في سورة مريم{[26288]} .
وقال عبد الرزاق : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي مسلم الأغر ، عن أبي سعيد وأبي هريرة ، رضي الله عنهما ، قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال لأهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدًا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تَبْأسوا أبدًا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا " . رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق به{[26289]} .
هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق " أبو مسلم الأغر " ، وأهل المدينة يقولون : " أبو عبد الله الأغر " {[26290]} .
وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني : حدثنا أحمد بن حفص ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن طَهْمَان ، عن الحجاج - هو ابن حجاج{[26291]} - عن عبادة{[26292]} ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من اتقى الله دخل الجنة ، ينعم فيها ولا يبأس ، ويحيا فيها فلا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه " {[26293]} .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سليمان بن عبيد الله الرقي ، حدثنا مصعب بن إبراهيم ، حدثنا عمران بن الربيع الكوفي ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن جابر ، رضي الله عنه ، قال : سُئل نبي الله صلى الله عليه وسلم : أينام أهل الجنة ؟ فقال : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " {[26294]} .
وهكذا رواه أبو بكر بن مُرْدَويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله بن المغيرة ، حدثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن الْمنكَدِر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النوم أخو الموت ، وأهل الجنة لا ينامون " {[26295]} .
وقال أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا محمد بن يوسف الفِريابي ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قيل : يا رسول الله ، هل ينام أهل الجنة ؟ قال : " لا النوم أخو الموت " ثم قال : " لا نعلم أحدًا أسنده عن ابن المنكدر ، عن جابر إلا الثوري ، ولا عن الثوري ، إلا الفريابي " {[26296]} هكذا قال ، وقد تقدم خلاف ذلك ، والله أعلم .
وقوله : { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي : مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم ، وسلمهم ونجاهم وزحزحهم من{[26297]} العذاب الأليم في دركات الجحيم ، فحصل لهم المطلوب ، ونجاهم من المرهوب ؛ ولهذا قال : { فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.