فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } أي لا يموتون فيها أبدا إلا الموتة التي ذاقوها في الدنيا . والاستثناء منقطع أي لكن الموتة كذا قال الزجاج والفراء وغيرهما ، ومثل هذه الآية قوله { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } وقيل إن إلا بمعنى بعد واختاره الطبري كقولك ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي بعد رجل عندك وأباه الجمهور ؛ لأن مجيء إلا بمعنى بعد لم يثبت .

وقيل هي بمعنى سوى أي سوى الموتة الأولى نقله الطبري وضعفه .

قال ابن عطية وليس تضعيفه بصحيح بل كونها بمعنى سوى مستقيم متسق ، قال ابن قتيبة إنما استثنى الموتة الأولى ، وهي في الدنيا ؛ لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم من الجنة ويفتح لهم أبوابها فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها فيكون الاستثناء على هذا متصلا .

قال الزمخشري فإن قلت كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه فيها ، قلت أريد أن يقال لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع قوله : إلا الموتة الأولى موضع ذلك ؛ لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل ؛ فهو من باب التعليق بالمحال ، كأنه قيل إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها في الجنة انتهى . قلت وهذا عند علماء البيان يسمى نفي الشيء بدليله .

{ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } قرأ الجمهور وقاهم بالتخفيف وقرئ بالتشديد على المبالغة