{ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا } عن عبادة الله تعالى ، ولم ينقادوا لها ، فإنهم لن يضروا الله شيئًا ، والله غني عنهم ، وله عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، ولهذا قال : { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ } يعني : الملائكة المقربين { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } أي : لا يملون من عبادته ، لقوتهم ، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك .
ثم بين - سبحانه - أن استكبار الجاهلين عن عبادة الله - تعالى - وحده ، لن ينقص من ملكه شيئا فقال : { فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } .
أى : فإن تكبر هؤلاء الكافرون عن إخلاص العبادة لله - تعالى - فلا تحزن أيها الرسول الكريم - فإن الذين عند ربك من الملائكة . ينزهونه - تعالى - ويعبدونه عبادة دائمة بالليل والنهار وهم لا يسأمون ولا يملون ، لاستلذاذهم لتلك العبادة والطاعة ، وخوفهم من مخالفة أمره - عز وجل - .
فالآية الكريمة تهون من شأن هؤلاء الكافرين ، وتبين أنه - تعالى - فى غنى عنهم وعن عبادتهم ؛ لأن عنده من مخلوقاته الكرام من يعبده بالليل والنهار بدون سأم أو كلل .
والمراد بالعندية فى قوله - تعالى - { عِندَ رَبِّكَ } عندية المكانة والتشريف لا عندية المكان .
وقوله { فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ } تعليل لجواب الشرط المقدر ، أى : فإن استكبروا فدعهم وشأنهم فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ . يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ }
فإن استكبروا بعد عرض هذه الآيات ، وبعد هذا البيان ، فلن يقدم هذا أو يؤخر ؛ ولن يزيد هذا أو ينقص . فغيرهم يعبد غير مستكبر :
( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار ، وهم لا يسأمون ) . .
وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر ( الذين عند ربك )الملائكة . ولكن قد يكون هنالك غير الملائكة من عباد الله المقربين ؛ وهل نعلم نحن شيئاً إلا اليسير الضئيل ? !
هؤلاء . الذين عند ربك . وهم أرفع وأعلى . وهم أكرم وأمثل . لا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون
الضالون في الأرض . ولا يغترون بقرب مكانهم من الله . ولا يفترون عن تسبيحه ليلاً ونهاراً ( وهم لا يسأمون ) . . فماذا يساوي أن يتخلف من أهل الأرض من يتخلف في حقيقة العبودية لله من الجميع ?
وهنالك الأرض - أمهم التي تقوتهم - الأرض التي منها خرجوا وإليها يعودون . الأرض التي هم على سطحها نمال تدب ولا طعام لها ولا شراب إلا ما تستمده منها . . هذه الأرض تقف خاشعة لله ، وهي تتلقى من يديه الحياة :
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فإن استكبر يا محمد هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم من مشركي قريش ، وتعظموا عن أن يسجدوا الله الذي خلقهم وخلق الشمس والقمر ، فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك ، ولا يتعظمون عنه ، بل يسبحون له ، ويصلون ليلاً ونهارا ، وهم لا يسأمون يقول : وهم لا يفترون عن عبادتهم ، ولا يملون الصلاة له . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإنِ اسْتَكْبَرُوا فالّذِينَ عِنْدَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ باللّيْلِ والنّهارِ قال : يعني محمدا ، يقول : عبادي ملائكة صافون يسبحون ولا يستكبرون .
ثم خاطب تعالى بما يتضمن وعيدهم وحقارة أمرهم ، وأن الله تعالى غير محتاج إلى عبادتهم بقوله : { فإن استكبروا } الآية .
وقوله : { فالذين } يعني بهم الملائكة هم صافون يسبحون . و : { عند } في هذه الآية ليست بظرف مكان وإنما هي بمعنى المنزلة والقربة ، كما تقول زيد عند الملك جليل وفي نفسه رفيع . ويروى أن تسبيح الملائكة قد صار لهم كالنفس لابن آدم . و : { يسئمون } معناه : يميلون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.