{ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ } فيختصه بعنايته ، ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطرقها . { وَالظَّالِمِينَ } الذين اختاروا الشقاء على الهدى { أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [ بظلمهم وعدوانهم ] . تم تفسير سورة الإنسان - ولله الحمد والمنة{[1319]}
{ يُدْخِلُ } - سبحانه - { مَن يَشَآءُ } إدخاله { فِي رَحْمَتِهِ } لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه .
{ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ } - سبحانه - { عَذَاباً أَلِيماً } بسبب إصرارهم على ظلمهم ، وإيثارهم الباطل على الحق ، والغى على الرشد .
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا ممن هم أهل لرحمته ورضوانه ، وأن يبعدنا عمن هم أهل لعذابه ونقمته .
( يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) . .
فهي المشيئة المطلقة تتصرف بما تريد . ومن إرادتها أن يدخل في رحمته من يشاء ، ممن يلتجئون إليه ، يطلبون عونه على الطاعة ، وتوفيقه إلى الهدى . . ( والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) . وقد أملى لهم وأمهلهم لينتهوا إلى هذا العذاب الأليم !
وهذا الختام يلتئم مع المطلع ، ويصور نهاية الابتلاء ، الذي خلق الله له الإنسان من نطفة أمشاج ، ووهبه السمع والأبصار ، وهداه السبيل إما إلى جنة وإما إلى نار . .
وقوله : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يقول : يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته ، فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته ، فيغفر له ذنوبه ، ويُدخله جنته والظّالَمِيِنَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما يقول : الذين ظلموا أنفسهم ، فماتوا على شركهم ، أعدّ لهم في الاَخرة عذابا مؤلما موجعا ، وهو عذاب جهنم . ونصب قوله : والظّالمِينَ لأن الواو ظرف لأعدّ ، والمعنى : وأعدّ للظالمين عذابا أليما . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «ولِلظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ » بتكرير اللام ، وقد تفعل العرب ذلك ، وينشد لبعضهم :
أقولُ لهَا إذا سألَتْ طَلاقا *** إلامَ تُسارِعِينَ إلى فِرَاقي ؟
فأصْبَحْنَ لا يسأَلَنْهُ عَنْ بِمَا بِهِ *** أصَعّد فِي غاوِي الهَوَى أمْ تَصَوّبا ؟
{ والظالمين } نصب بإضمار فعل تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم{[11536]} ، وفي قراءة ابن مسعود «وللظالمين أعد لهم » بتكرير اللام ، وقرأ جمهور السبعة «وما تشاؤون » بالتاء على المخاطبة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يشاؤون » بالياء ، وقأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وبان أبي عبلة «والظالمون » بالرفع ، قال أبو الفتح : وذلك على ارتجال جملة مستأنفة . ( انتهى ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه، فقال: {يدخل من يشاء في رحمته} يعني في جنته. {والظالمين} يعني المشركين {أعد لهم عذابا أليما} يعنى وجيعا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ" يقول: يدخل ربكم من يشاء منكم في رحمته، فيتوب عليه حتى يموت تائبا من ضلالته، فيغفر له ذنوبه، ويُدخله جنته.
"والظّالَمِيِنَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما" يقول: الذين ظلموا أنفسهم، فماتوا على شركهم، أعدّ لهم في الاَخرة عذابا مؤلما موجعا، وهو عذاب جهنم.
إن جميع ما يصدر عن العبد فبمشيئة الله، وقوله: {يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} يدل على أن دخول الجنة والنار ليس إلا بمشيئة الله، فخرج من آخر هذه السورة إلا الله وما هو من الله، وذلك هو التوحيد المطلق الذي هو آخر سير الصديقين ومنتهى معارجهم في أفلاك المعارف الإلهية، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {يدخل من يشاء في رحمته} إن فسرنا الرحمة الإيمان، فالآية صريحة في أن الإيمان من الله، وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئة الله وفضله وإحسانه لا بسبب الاستحقاق.
المسألة الثانية: قوله: {والظالمين أعد لهم عذابا أليما} يدل على أنه جف القلم بما هو كائن، لأن معنى أعد أنه علم ذلك وقضى به، وأخبر عنه وكتبه في اللوح المحفوظ.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما)..
فهي المشيئة المطلقة تتصرف بما تريد. ومن إرادتها أن يدخل في رحمته من يشاء، ممن يلتجئون إليه، يطلبون عونه على الطاعة، وتوفيقه إلى الهدى.. (والظالمين أعد لهم عذابا أليما). وقد أملى لهم وأمهلهم لينتهوا إلى هذا العذاب الأليم!
وهذا الختام يلتئم مع المطلع، ويصور نهاية الابتلاء، الذي خلق الله له الإنسان من نطفة أمشاج، ووهبه السمع والأبصار، وهداه السبيل إما إلى جنة وإما إلى نار.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يجوز أن تكون الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن جملة {وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله} [الإنسان: 30] إذْ يتساءل السامع على أثر مشيئة الله في حال من اتخذ إلى ربه سبيلاً ومن لم يتخذ إليه سبيلاً، فيجاب بأنه يُدخل في رحمته من شاء أن يتخذ إليه سبيلاً وأنه أعد لمن لم يتخذ إليه سبيلاً عذاباً أليماً وأولئك هم الظالمون.
ويجوز أن تكون الجملة خبر {إنَّ} في قوله: {إن الله} [الإنسان: 30] وتكون جملة {كان عليماً حكيماً} [الإنسان: 30] معترضة بين اسم {إن} وخبرها أو حالاً، وهي على التقديرين منبئة بأن إجراء وصفي العليم الحكيم على اسم الجلالة مراد به التنبيه على أن فعله كله من جزاء برحمةٍ أو بعذاب جارٍ على حسب علمه وحكمته.