{ حتى زرتم المقابر } حتى متم ودفنتم في المقابر . قال قتادة : نزلت في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً . وقال مقاتل والكلبي : نزلت في حيين من قريش ، بني عبد مناف بن قصي ، وبني سهم بن عمرو ، كان بينهم تفاخر ، فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر عدداً ؟ فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيداً ، وأعز عزيزاً ، وأعظم نفراً ، وأكثر عدداً ، وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا : نعد موتانا ، حتى زاروا القبور فعدوهم ، فقالوا : هذا قبر فلان ، وهذا قبر فلان ، فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عدداً ، فأنزل الله هذه الآية .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، حدثنا عبد الرحيم بن منيب ، حدثنا النضر بن شميل ، عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه قال : " انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية : { ألهاكم التكاثر } ، قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك ، إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميد ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع أنس بن مالك يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " .
{ حتى زُرْتُمُ المقابر } أى : بقيتم على هذه الحال حتى أتاكم الموت ، ودفنتم فى قبوركم ، وانصرف عنكم أحب الناس إليكم ، وبقيتم وحدكم .
والخطاب عام لكل عاقل ، ويدخل فيه المشركون والفاسقون ، الذين آثروا الدنيا على الآخرة دخولا أوليا .
فالمراد بزيارة المقابر : انتهاء الآجال ، والدفن فى القبور بعد الموت . وعبر - سبحانه - عن ذلك بالزيارة . لأن الميت يأتي إلى القبر كالزائر له ، ثم بعد ذلك يخرج منه يوم البعث والنشور ، للحساب والجزاء ، فوجوده فى القبر إنما هو وجود مؤقت بوقت يعلمه الله - تعالى - .
وقد روي أن أعرابيا عندما سمع هذه الآية قال : بعثوا ورب الكعبة ، فقيل له كيف ذلك ؟ فقال : لأن الزائر لابد أن يرتحل .
وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن التهالك على حطام الدنيا فى أحاديث كثيرة ، منها ما رواه مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن الشَّخَّير قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " { ألهاكم التكاثر } قال : يقول ابن آدم : مالى مالى ، وهل لك من مالك يابن آدم ، إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " .
واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { حتى زرتم المقابر } ، فقال قوم : حتى ذكرتم الموت في تفاخركم بالآباء والسلف ، وتكثرتم بالعظام الرمام ، وقال : المعنى : حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرها ، أي قطعتم بالتكاثر أعماركم ، وعلى هذا التأويل روي أن أعرابياً سمع هذه الآية فقال : بعث القوم للقيامة ورب الكعبة ، فإن الزائر منصرف لا مقيم ، وحكى النقاش هذه النزعة من عمر بن عبد العزيز . وقال آخرون : هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور ، أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة بكم عن العبادة والتعلم زيارة القبور تكثراً بمن سلف ، وإشادة بذكره ، وقال : ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ، ولا تقولوا هجراً {[11964]} » فكان نهيه عليه السلام في معنى الآية ، ثم أباح بعد لمعنى الاتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر كما يصنع الناس في ملازمتها ، وتسنيمها بالحجارة والرخام ، وتلوينها شرفاً ، وبنيان النواويس عليها{[11965]}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني : حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها ، وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لأن الله تعالى ذكره ، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر ، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور ، وعيدا منه لهم وتهدّدا ....
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما : حتى أتاكم الموت فصرتم في المقابر زوّاراً ، ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله ، من جنة أو نار .
الثاني .....أي حتى ذكرتم الأموات في المقابر . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقيل : كانوا يزورون المقابر فيقولون : هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم . والمعنى : ألهاكم ذلك - وهو مما لا يعينكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم - عما يعينكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم . أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم ، منفقين أعماركم في طلب الدنيا ، والاستباق إليها ، والتهالك عليها ، إلى أن أتاكم الموت ، لا همّ لكم غيرها ، عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم ، والعمل لآخرتكم . وزيارة القبور : عبارة عن الموت . ...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
وجعل الغاية زيارة المقابر دون الموت ....وأنهم فيها بمنزلة الزائرين ، يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها ، كما كانوا في الدنيا زائرين لها ، غير مستقرين فيها ، ودار القرار هي الجنة أو النار . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.