تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ} (2)

بسم الله الرحمان الرحيم /652 أ/

الآيتان 1و2 : قوله تعالى : { ألهاكم التكاثر } { حتى زرتم المقابر } { أي شغلكم التفاخر بالتكاثر . ثم لم يقل عمّاذا شغلهم . فيجوز أن يكون { ألهاكم } أي شغلكم { التكاثر } عن توحيد الله تعالى ، أو عن التفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن ذكر البعث .

ثم قوله تعالى : { ألهاكم التكاثر } { حتى زرتم المقابر } يحتمل تأويلين :

أحدهما : أن يكون الغرض ( من الخطاب ){[24004]} بهذه الآية آباءهم وسلفهم الذين تقدموا بالأخبار عن قبح صنيعهم ، واشتغالهم بالسفه ، فيكون هذا صلة آيات أخر نحو قوله تعالى : { إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم ( مهتدون ) } وقوله : { مقتدون }{[24005]} ( الزخرف : 22و23 ) وغير ذلك ، فكأن الله تعالى يخبرهم بآبائهم ، وينهاهم عن الاقتداء بآبائهم ؛ لأنهم تعاطوا أفعالا تخرج عن الحكمة حتى ماتوا . وذلك يقع من وجهين .

أحدهما : أن من أنعم الله عليه نعمة فجحدها ، ولم يؤد شكرها ، استوجب المقت والعقوبة ، يقول : كيف تقتدون بآبائكم ، وإنهم كفروا بنعمة الله ، وجحدوا بها ؛ بل الواجب عليكم أن تتبعوا { النبي الذي ){[24006]}جاء هدى ، ( لا ما ){[24007]} وجدتم عليه آبائكم .

والثاني : أن يكون فيه علامة ( دلالة البعث ){[24008]} أن آبائهم لما فعلوا ما يستوجب به المقت والعقوبة ، وماتوا من غير أن يصيبهم ذلك في دنياهم ، وأن{[24009]} لهم دارا أخرى يعاقبون فيها بما فعلوا .

وإن كان الخطاب إذا انصرف ( إليهم ){[24010]} ففيه إخبارهم عن سفههم أنه شغلهم التفاخر بالتكاثر حتى جحدوا آيات رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون فيه إخبار عن سفههم من وجه آخر ، وهو أن الافتخار كيف وقع بالأموات ، والتفاخر بالأموات غير مستقيم ، أو أن يكون فيه وجه ثالث : إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه ؛ ( لأنهم ){[24011]} إنما افتخروا بالأموال والأولاد ، وذلك من لطف الله تعالى وجميل صنعه ، فيكون في هذا كله ذكر لهم بما هم{[24012]} فيه من السفه والخرف .

ثم التعبير بذكر هذه الأسباب إنما وقع ، والله أعلم ، دون ما هم فيه من الكفر ؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال ، فعيرهم الله تعالى بذلك ليكون فيه تذكرة وموعظة للمؤمنين .

لو خرج ذكر الكفار من{[24013]}هذا لكان لا يجتنب المؤمن شيئا{[24014]}من هذه الأفعال .

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { ألهاكم التكاثر } فقال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت " {[24015]} ( مسلم 2958 ) .

فهذا على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح بأهل الكفر لموعظة المسلمين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { حتى زرتم المقابر } يحتمل حقيقة زيارة الموتى ، وذلك مما يذكرهم أن التكاثر مما لا ينفعهم إذا كانت عاقبتهم هذا . ويحتمل : أي صرتم إلى المقابر بعد الموت ، فحينئذ تذكرون حق الله تعالى ، ثم لا ينفعكم ، والله أعلم .


[24004]:في الأصل وم: بالخطاب
[24005]:في الأصل وم: مقتدون
[24006]:من م، ساقطة من الأصل
[24007]:في الأصل وم: فما
[24008]:في الأصل وم: دلالة للبعث
[24009]:الواو ساقطة من الأصل وم
[24010]:ساقطة من الأصل وم
[24011]:ساقطة من الأصل وم
[24012]:ساقطة من الأصل وم
[24013]:ي الأصل وم: في
[24014]:في الأصل وم: شيء
[24015]:أدرج بعدها في الأصل وم: الخبر