93- إنما اللوم والعقاب على هؤلاء الذين يستأذنوك - أيها النبي - في تخلفهم عن الجهاد ، وهم واجدون المال والعتاد ، قادرون على الخروج معك ، لأنهم - مع قدرتهم واستطاعتهم - رضوا بأن يقعدوا مع النساء الضعيفات ، والشيوخ العاجزين ، والمرضى غير القادرين ، ولأن قلوبهم أغلقت عن الحق ، فهم لا يعلمون العاقبة الوخيمة التي تترتب على تخلفهم في الدنيا وفي الآخرة .
وبعد أن بين - سبحانه - أحكام أصحاب الأعذار المقبولة ، أتبع ذلك ببيان أحكام الأعذار الكاذبة ، والصفات القبيحة ، فقال تعالى : { إِنَّمَا السبيل . . . . القوم الفاسقين } .
فهذه الآيات الكريمة بيان لما سيكون من أمر المنافقين الذين قعدوا في المدينة بدون عذر ، بعد أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم والمؤمنون من تبوك .
والمعنى : إذا كان الضعفاء والمرضى ومن حكمهم ، لا إثم ولا عقوبة عليهم بسبب تخلفهم عن الجهاد ، فإن " السبيل " أي الإِثم والعقوبة { عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ } في التخلف " وهم أغنياء " أى يمكلون كل وسائل الجهاد من مال وقوة وعدة .
وقوله : { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف } استئناف تعليلي مسبوق لمزيد مذمتهم .
أى : استأذنوك مع غناهم وقدرتهم على القتال ، لأنهم لخو قلوبهم من الإِيمان ، ولسوقط همتهم وجبنهم ، رضوا لأنفسهم أن يبقوا في المدينة مع الخالف من النساء والصبيان والعجزة .
وقوله : { وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان لسوء مصيرهم .
أى : وبسبب هذا الإِصرار على النفاق ، والتمادى في الفسوق العصيان ، ختم الله - تعالى - على قلوبهم ، فصارت لا تعلم ما يترتب على ذلك من مصائب دينية ودنيوية وأخروية .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ما السبيل بالعقوبة على أهل العُذر يا محمد ، ولكنها على الذين يستأذنوك في التخلف خلافك وترك الجهاد معك وهم أهل غنى وقوّة وطاقة للجهاد والغزو ، نفاقا وشكّا في وعد الله ووعيده . رَضُوا بأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ يقول : رضوا بأن يجلسوا بعدك مع النساء وهنّ الخوالف خلفَ الرجال في البيوت ، ويتركوا الغزو معك . وَطَبَعَ اللّهُ على قُلُوبِهمْ يقول : وختم الله على قلوبهم بما كسبوا من الذنوب . فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الجهاد معك وما عليهم من قبيح الثناء في الدنيا وعظيم البلاء في الاَخرة .
قوله في هذه الآية { إنما } ليس بحصر وإنما هي للمبالغة فيما يريد تقريره عل نحو ذلك إنما الشجاع عنترة ، ويقضي بذلك انَّا نجد السبيل في الشرع على غير هذه الفرقة موجوداً ، و { السبيل } قد توصل ب { على } و { إلى } فتقول لا سبيل على فلان ولا سبيل إلى فلان{[5835]} غير أن وصولها ب { على } يقتضي أحياناً ضعف{[5836]} المتوصل إليه وقلة منعته ، فلذلك حسنت في هذه الآية ، وليس ذلك في إلى ، ألا ترى أنك تقول فلان لا سبيل إلى الأمر ولا إلى طاعة الله ولا يحسن في شبه هذا على ، و { السبيل } في هذه الآية سبيل المعاقبة ، وهذه الآية نزلت في المنافقين المتقدم ذكرهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ومعتب وغيرهم ، وقد تقدم نظير تفسير الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.