{ لَهُمْ فِيهَا } أى فى الجنة { فَاكِهَةٌ } كثيرة متنوعة { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } أى : ولهم فوق ذلك جميع ما يطلبونه من مطالب وما يتمنونه من أمنيات .
فقوله : { يَدَّعُونَ } يصح أن يكون من الدعاء بمعنى الطلب ، كما يصح أن يكون من الادعاء بمعنى التمنى .
يقال : ادعُ علىَّ ما شئتَ أى : تمن علىَّ ما شئت . ويقال : فلان فى خير ما يدَّعِى ، أى : فى خير ما يتمنى .
وقوله : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي : من جميع أنواعها ، { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } أي : مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثنا محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المَعَافري ، عن سليمان{[24782]} بن موسى ، حدثني كُرَيْب ؛ أنه سمع أسامة بن زيد يقول{[24783]} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا هل مُشَمِّر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خَطر لها هي - ورب الكعبة - نور كلها يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مَشيد ، ونهر مُطَّرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد ، في دار سلامة ، وفاكهة خضرة وحَبْرَة ونعمة ، ومحلة عالية بَهيَّة » . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : «قولوا : إن شاء الله » . قال القوم : إن شاء الله .
وكذا رواه ابن ماجه في " كتاب الزهد " من سننه ، من حديث الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مُهَاجر ، به . {[24784]}
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فاكهة ولهم ما يدعون} يتمنون ما شاءوا من الخير...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ" يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة، "وَلَهُمْ ما يَدّعُونَ "يقول: ولهم فيها ما يتَمّنون. وذُكر عن العرب أنها تقول: دع عليّ ما شئت: أي تمنّ عليّ ما شئت.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يخبر، والله أعلم، أن أهل الجنة إنما يأكلون على الشهوة لا على الحاجة.
{لهم فيها فاكهة} إشارة إلى أن لا جوع هناك، وليس الأكل لدفع ألم الجوع، وإنما مأكولهم فاكهة، ولو كان لحما طريا.
{لهم فيها فاكهة} ولم يقل يأكلون، إشارة إلى كون زمام الاختيار بيدهم وكونهم مالكين وقادرين.
أحدها: لهم فيها ما يدعون لأنفسهم أي دعاؤهم مستجاب، وحينئذ يكون هذا افتعالا بمعنى الفعل كالاحتمال بمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحيل، وعلى هذا فليس معناه أنهم يدعون لأنفسهم دعاء فيستجاب دعاؤهم بعد الطلب بل معناه ولهم ما يدعون لأنفسهم، أي ذلك لهم فلا حاجة لهم إلى الدعاء والطلب، أو نقول المراد الطلب والإجابة وذلك لأن الطلب من الله أيضا فيه لذة فلو قطع الله الأسباب بينهم وبينه، لما كان يطيب لهم فأبقى أشياء يعطيهم إياها عند الطلب ليكون لهم عند الطلب لذة وعند العطاء.
الثاني: ما يدعون ما يتداعون وحينئذ يكون افتعالا بمعنى التفاعل كالاقتتال بمعنى التقاتل، ومعناه ما ذكرناه أن كل ما يصح أن يدعو أحد صاحبه إليه أو يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم.
الرابع: بمعنى الدعوى ومعناه حينئذ أنهم كانوا يدعون في الدنيا أن لهم الله وهو مولاهم وأن الكافرين لا مولى لهم.
فقال لهم في الجنة ما يدعون به في الدنيا، فتكون الحكاية محكية في الدنيا، كأنه يقول في يومنا هذا، لكن أيها المؤمنون غدا ما تدعون اليوم، لا يقال بأن قوله: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون * هم وأزواجهم في ظلال} يدل على أن القول يوم القيامة لأنا نقول الجواب عنه من وجهين؛
أحدهما: أن قوله: {هم} مبتدأ {وأزواجهم} عطف عليهم فيحتمل أن يكون هذا الكلام في يومنا هذا يخبرنا أن المؤمن وأزواجه في ظلال غدا وله ما يدعيه والجواب. الثاني: وهو أولى هو أن نقول: معناه لهم ما يدعون أي ما كانوا يدعون. لا يقال بأنه إضمار حيث لا ضرورة وإنه غير جائز؛ لأنا نقول على ما ذكرنا يبقى الادعاء مستعملا في معناه المشهور لأن الدعاء هو الإتيان بالدعوى وإنما قلنا إن هذا أولى لأن قوله: {سلام قولا من رب رحيم} هو في دار الآخرة وهو كالتفسير لقوله: {ما يدعون}؛ ولأن قوله: {ما يدعون} مذكور بين جمل كلها في الآخرة، فما يدعون أيضا ينبغي أن يكون في الآخرة وفي الآخرة لا يبقى دعوى وبينة لظهور الأمور والفصل بين أهل الثبور والحبور.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما قدم المعاني التي توجب أكل الفاكهة، أتى بها فقال: {لهم} أي خاصة بهم.
{فيها فاكهة} أي لا تنقطع أبداً، فلا مانع لهم من تناولها، ولا يوقف ذلك على غير الإرادة.
ولما كانت الفاكهة قد تطلق على ما يلذذ، صرح بأن ذلك هو المراد، فقال معبراً بالعطف لتكون الفاكهة مذكورة مرتين خصوصاً وعموماً: {ولهم}.
ولما كان السياق لأصحاب الجنة الذين تفهم الصيحة أنهم فيها دائماً وإن كانوا في الدنيا، أعري الكلام من الظرف ليفهم إجابة دعائهم في الدنيا وإنالتهم جميع مرادهم في الدارين فقال: {ما يدعون} أي الذي يطلبون طلباً صادقا إما إخراجاً لما قد يهجس في النفس من غير عزم عليه إن كان المراد في الجنة من غير كلام الله، كالمآكل والمشارب ونحوها، وإما إظهاراً للاهتمام إن كان المراد أنه كلامه سبحانه؛ وذلك لأجل ما كانوا في الدنيا يفطمون أنفسهم عن الشهوات عزوفاً عما يفنى، وطموحاً إلى ما عندنا من الباقيات الصالحات...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ} موصولةٌ أو موصوفةٌ عبَّر بها عن مدعوَ عظيمِ الشَّأنِ، معيَّنٍ أو مبهمٍ إيذاناً بأنَّه الحقيقُ بالدُّعاءِ دونَ ما عداهُم، ثم صرَّح به رَوْماً لزيادةِ التَّقريرِ بالتَّحقيقِ بعد التَّشويقِ كما ستعرفه، أو هي باقيةٌ على عمومها قصد بها التَّعميمِ بعد تخصيصِ بعضِ الموادِّ المعتادةِ بالذكر.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الفاكهة: ما يؤكل للتلذذ لا للشبع كالثمار والنقول وإنما خصت بالذكر؛ لأنها عزيزة النوال للناس في الدنيا؛ ولأنها استجلبها ذكر الاتكاء لأن شأن المتكئين أن يشتغلوا بتناول الفواكه.
ثم عَمم ما أعد لهم بقوله: {ولهم ما يدَّعُونَ} و {يَدَّعُونَ} يجوز أن يكون متصرفاً من الدعاء أو من الادعاء، أي ما يَدْعون إليه أو ما يدَّعون في أنفسهم أنه لهم بإلهام إلهي. وصيغ له وزن الافتعال للمبالغة، فوزن {يَدَّعُونَ} يفتعلون.
وهذا الافتعال لك أن تجعله من (دعا)، والافتعال هنا يجعل فعل (دعا) قاصراً فينبغي تعليق مجرور به. والتقدير: ما يدعون لأنفسهم.
وإن جعلته من الادعاء فمعناه: أنهم يدعون ذلك حقاً لهم، أي تتحدث أنفسهم بذلك فيؤول إلى معنى: ويتمنون في أنفسهم دون احتياج إلى أن يسألوا بالقول فلذلك قيل معنى {يَدَّعُونَ} يتمنون.
ثم يقول سبحانه: {لَهُمْ فِيهَا} أي: في الجنة {فَاكِهَةٌ} الفاكهة من التفكُّه والتلذذ، وعرفنا أن الطعام يأكله الإنسان إما للاقتيات وهو الضروريات، وإما فاكهة للتلذُّذ والتنعُّم، وهنا يذكر الحق سبحانه الفاكهة فحسب؛ لأننا لا نأكل في الجنة إلا تفكُّهاً وتنعُّماً، لا عن حاجة أو جوع.
{وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} أي: ما يدعون به وما يخطر ببالهم، فيجدوه بين أيديهم، وقال بعضهم (مَا يدَّعُون) يعني: لا يدخر الله لهم دعوة؛ لأنه سبحانه يعطيهم قبل أن يدعوا.