{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الاستقبال . وهذا خطاب لمن سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون . وقوله : { ما أعبد } أي : من أعبد ، لكنه ذكره لمقابلة : { ما تعبدون } ، ووجه التكرار : قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب ، وعلى مجاز خطابهم ، ومن مذاهبهم التكرار ، إرادة التوكيد والإفهام كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز . وقال القتيبي : تكرار الكلام لتكرار الوقت ، وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن ندخل في دينك سنة فادخل في ديننا سنة . فنزل هذه السورة .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين الذين جاؤوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة ، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى . . قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد : " لا أعبد " أنا الذى تعبدونه من آلهة باطلة ، ولا أنتم عابدون الإِله الحق الذى أعبده ، لجهلكم وجحودكم ، وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال .
وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر " قل " للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم ، وتكليفهم بالعمل به .
ونودوا بوصف الكافرين ؛ لأنهم كانوا كذلك ، ولأن في هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم .
و " ما " هنا موصولة بمعنى الذي ، وأوثرت على " مَن " لأنهم ما كانوا يشكون فى ذات الآلهة التي يعبدونها ، ولافي ذات الإله الحق الذى يعبده النبى صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانوا يشكون فى أوصافه - تعالى - ، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه .
ويقولون : { هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله } مع أن الله - تعالى - منزه عن ذلك ، فالمقصود من " ما " هنا : الصفة ، وليس الذات ، فكأنه قال : لا أعبد الباطل الذي تعبدونه ، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذى أعبده .
وقوله - تعالى - : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق . . " وما " هنا مصدرية ، فكأنه قبل : ولا أنا عابد عبادتكم ، ولا أنتم عابدون عبادتى .
فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم في المعبود ، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة ، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة ، ومن عبادتهم الفاسدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ، لا يعبدون إلا الله - عز وجل - ، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة .
{ ولا أنتم عابدون ما أعبد } أي وما عبدتم في وقت ما أنا عابده ، ويجوز أن يكونا تأكيدين على طريقة أبلغ ، وأما لم يقل ما عبدت ليطابق ( ما عبدتم ) ؛ لأنهم كانوا موسومين قبل المبعث بعبادة الأصنام ، وهو لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله ، وإنما قال ( ما ) دون ( من ) ؛ لأن المراد الصفة ، كأنه قال : لا أعبد الباطل ، ولا تعبدون الحق ، أو للمطابقة . وقيل : إنها مصدرية . وقيل : الأوليان بمعنى الذي ، والأخريان مصدريتان .
ثم جاء قوله : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } الثاني حتماً عليهم أنهم لا يؤمنون به أبداً ، كالذي كشف الغيب ، فهذا كما قيل لنوح صلى الله عليه وسلم : { إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن }{[12009]} ، وأما أن هذا في معنيين ، وقوم نوح عمموا بذلك ، فهذا معنى الترديد الذي في السورة ، وهو بارع الفصاحة ، وليس بتكرار فقط ؛ بل فيه ما ذكرته مع التأكيد والإبلاغ .
عطف على جملة : { ولا أنا عابد ما عبدتم } [ الكافرون : 4 ] لبيان تمام الاختلاف بين حاله وحالهم وإخبار بأنهم لا يعبدون الله إخباراً ثانياً تنبيهاً على أن الله أعلمه بأنهم لا يعبدون الله ، وتقويةً لدلالة هذين الإِخبار على نبوءته صلى الله عليه وسلم فقد أخبر عنهم بذلك فماتَ أولئك كلهم على الكفر وكانت هذه السورة من دلائل النبوءة .
وقد حصل من ذكر هذه الجملة بمثل نظيرتها السابقة توكيد للجملة السابقة توكيداً للمعنى الأصلي منها ، وليس موقعها موقع التوكيد لوجود واو العطف كما علمت آنفاً في قوله : { ولا أنا عابد ما عبدتم } .
ولذلك فالواو في قوله هنا : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } عاطفة جملة على جملة لأجل ما اقتضته جملة : { ولا أنتم عابدون ما أعبد } من المناسبة .
ويجوز أن تكون جملة { ولا أنتم عابدون ما أعبد } تأكيداً لفظياً لنظيرتها السابقة بتمامها بما فيها من واو العطف في نظيرتها السابقة وتكون جملة : { ولا أنا عابد ما عبدتم } معترضة بين التأكيد والمؤكد .
والمقصود من التأكيد تحقيق تكذيبهم في عَرضهم أنهم يعبدون رب محمد صلى الله عليه وسلم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.