قوله تعالى :{ أفتمارونه على ما يرى } قرأ حمزة والكسائي ويعقوب : ( أفتمرونه ) بفتح التاء بلا ألف ، أي : أفتجحدونه ، تقول العرب : مريت الرجل حقه إذا جحدته ، وقرأ الآخرون : ( أفتمارونه ) بالألف وضم التاء ، على معنى أفتجادلونه على ما يرى ، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به ، والمعنى : أفتجادلونه جدالاً ترمون به دفعه عما رآه وعلمه .
ثم وبخ - سبحانه - المشركين على تكذيبهم للنبى - صلى الله عليه وسلم - فيما يخبرهم عنه من شئون الوحى ، فقال : { أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى } .
والمماراة : المجادلة والملاحاة بالباطل . يقال : مارَى فلان فلانا مماراة ومِرَاء ، إذا جادله ، مأخوذ من مَرَى الناقة يَمْريها . إذا مسح ضرعها ليستدر لبنها ، ويأخذه كاملا ، فشبه الجدال بذلك ، لأن كل واحد من المتجادلين يَمرِّى ما عند صاحبه ، أى : يسعى لاستخراج كل ما عنده ، حتى يقيم الحجة عليه .
وعدى الفعل بعلى لتضمنه معنى المغالبة .
أى : أفتجادلون نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيما رآه بعينيه ، وتجادلونه فى شىء هو تحقق منه بعقله وبصره ، وهو ملاقاته ورؤيته لأمين وحينا جبريل - عليه السلام - ؟ إن مجادلتكم له فى ذلك ، هو من قبيل التعنت الواضح ، والجهل الفاضح ، لأنكم كذبتموه وجادلتموه فى شىء هو قد رآه وتحقق منه ، وأنتم تعلمون أنه صادق أمين .
فالمقصود بالاستفهام تبكيتهم وتجهيلهم على جدالهم بالباطل .
هذا وقد ذكر العلماء ، أن هذه الآيات ، تشير إلى رؤية النبى - صلى الله عليه وسلم - لجبريل ، على الهيئة التى خلقه الله - تعالى - عليها ، فقد كان جبريل يأتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فى صورة آدمى ، فسأله أن يريه نفسه على صورته التى خلق عليها ، فأراه نفسه مرتين : مرة فى الأرض وهى التى تشير إليها هذا الآيات ، ومرة فى السماء ، وهى التى تشير إليها الآيات التالية .
وقد توسع الإمام ابن كثير فى ذكر الأحاديث التى وردت فى ذلك فقال ما ملخصه :
عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ير جبريل فى صورته إلى مرتين ، أما واحدة فإنه سأله أن يراه فى صورته ، فسد الأفق ، وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد .
وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .
{ أفتمارونه على ما يرى } أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كلا من المتجادلين يمري ما عند صاحبه . وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب " أفتمرونه " أي أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ، أو أفتجحدونه من مراه حقه إذا جحده وعلى لتضمين الفعل معنى الغلبة فإن المماري والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم .
قوله تعالى : { أفتمارونه } خطاب لقريش ، وهو من الصراء والمعنى أتجادلونه في شيء رآه وأبصره ، وهذه قراءة الجمهور وأهل المدينة ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وحمزة والكسائي : «أفتَمرونه » بفتح التاء دون ألف بعد الميم ، والمعنى : أفتجحدونه{[10693]} ؟ وذلك أن قريشاً لما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره في الإسراء مستقصى ، كذبوا واستخفوا حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر عيرهم وغير ذلك مما هو في حديث الإسراء مستقصى ، ورواها سعيد عن النخعي : «أفتُمرونه » بضم التاء ، قال أبو حاتم : وذلك غلط من سعيد . وقوله : { يرى } مستقبلاً والرؤية قد مضت عبارة تعم جميع ما مضى وتشير غلى ما يمكن أن يقع بعد ، وفي هذا نظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.