والخطاب فى قوله - تعالى - : { لا تجعل . . . } لكل من يصلح له .
والقعود فى قوله { فتقعد } قيل بمعنى المكث : كما يقول القائل : فلان قاعد فى أسوأ حال ، أى : ماكث فى أسوأ حال ، سواء أكان قاعدا أم غير قاعد . وقيل بمعنى العجز ، لأن العرب تقول : فلان ما أقعده عن المكارم ، أى : ما أعجزه عنها ، وقيل هو بمعنى الصيرورة ، من قولهم : فلان شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، أى : صارت .
والذى تطمئن إليه النفس أن القعود على حقيقته ، لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرا نادما على ما فرط منه .
وقوله - سبحانه - : { مخذولا } من الخذلان ، وهو ترك النصرة عند الحاجة اليها .
يقال : خذل فلان صديقه ، أى : امتنع عن نصره وعونه مع حاجته الشديدة إليهما .
والمعنى : لا تجعل - أيها المخاطب - مع الله - تعالى - إلها آخر فى عبادتك أو خضوعك ، فتقعد جامعا على نفسك مصيبتين :
مصيبة الذم من الله - تعالى - ومن أوليائه ، لأنك تركت عبادة من له الخلق والأمر ، وعبدت ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا .
ومصيبة الخذلان ، بحيث لا تجد من يعينك أو ينصرك ، فى ساعة أنت أحوج ما تكون فيها إلى العون والنصر .
وجاء الخطاب فى قوله - تعالى - : { لا تجعل } عاما ، لكى يشعر كل فرد يصلح للخطاب أن هذا النهى موجه إليه ، وصادر إلى شخصه . لأن سلامة الاعتقاد مسألة شخصية ، مسئول عنها كل فرد بذاته وسيحمل وحده تبعة انحرافه عن طريق الحق
{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
وقوله { فتقعد } منصوب لأنه وقع بعد الفاء جوابا للنهى . وقوله { مذموما مخذولا } حالان من الفاعل .
وفى هذه الجملة الكريمة تصوير بديع لحال الإِنسان المشرك ، وقد حط به الذم والخذلان ، فقعد مهموما مستكينا عاجزا عن تحصيل الخيرات ، ومن السعى فى تحصيلها .
قال الآلوسى : وفى الآية الكريمة إشعار بأن الموحد جامع بين المدح والنصرة .
ثم ساق - سبحانه - بضع عشرة آية ، تناولت مجموعة من التكاليف تزيد على عشرين أمرا ونهيا .
وهذه التكاليف قد افتتحت بالنهى عن الإِشراك بالله - تعالى - وبالأمر بالإِحسان إلى الوالدين قال - تعالى - : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . . . } .
( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) .
إنه النهي عن الشرك والتحذير من عاقبته ، والأمر عام ، ولكنه وجه إلى المفرد ليحس كل أحد أنه أمر خاص به ، صادر إلى شخصه . فالاعتقاد مسألة شخصية مسؤول عنها كل فرد بذاته ، والعاقبة التي تنتظر كل فرد يحيد عن التوحيد أن " يقعد " ( مذموما ) بالفعلة الذميمة التي أقدم عليها ، ( مخذولا ) لا ناصر له ، ومن لا ينصره الله فهو مخذول وإن كثر ناصروه . ولفظ ( فتقعد ) يصور هيئة المذموم المخذول وقد حط به الخذلان فقعد ، ويلقي ظل الضعف فالقعود هو أضعف هيئات الإنسان وأكثرها استكانة وعجزا ، وهو يلقي كذلك ظل الاستمرار في حالة النبذ والخذلان ، لأن القعود لا يوحي بالحركة ولا تغير الوضع ، فهو لفظ مقصود في هذا المكان .
{ لا تجعل مع الله إلها آخر } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل أحد . { فتقعُد } فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه . { مذموما مخذولا } جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى ، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحا منصورا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.