وقوله : { صِرَاطِ الله } بدل مما قبله ، وإضافته إلى الله - تعالى - للتفخيم والتشريف .
أى : وإنك لترشد الناس إلى صراط الله { الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } ملكا وخلقا وتصرفا . .
{ أَلاَ إِلَى الله } - تعالى - وحده { تَصِيرُ الأمور } أى : تنتهى إليه الأمور وتصعد إليه وحده ، فيقضى فيها بقضائه العادل ، وبحكمه النهائى الذى لا معقب له .
وبعد : فهذا تسير وسيط لسورة " الشورى " نسأل الله - تعلاى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده .
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) . . فهي الهداية إلى طريق الله ، الذي تلتقي عنده المسالك . لأنه الطريق إلى المالك ، الذي له ما في السماوات وما في الأرض ؛ فالذي يهتدي إلى طريقه يهتدي إلى ناموس السماوات والأرض ، وقوى السماوات والأرض ، ورزق السماوات والأرض ، واتجاه السماوات والأرض إلى مالكها العظيم . الذي إليه تتجه ، والذي إليه تصير :
( ألا إلى الله تصير الأمور ) . .
فكلها تنتهي إليه ، وتلتقي عنده ، وهو يقضي فيها بأمره .
وهذا النور يهدي إلى طريقه الذي اختار للعباد أن يسيروا فيه ، ليصيروا إليه في النهاية مهتدين طائعين .
وهكذا تنتهي السورة التي بدأت بالحديث عن الوحي . وكان الوحي محورها الرئيسي . وقد عالجت قصة الوحي منذ النبوات الأولى . لتقرر وحدة الدين ، ووحدة المنهج ، ووحدة الطريق . ولتعلن القيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة . ولتكل إلى هذه العصبة أمانة القيادة إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض . ولتبين خصائص هذه العصبة وطابعها المميز ، الذي تصلح به للقيادة ، وتحمل به هذه الأمانة . الأمانة التي تنزلت من السماء إلى الأرض عن ذلك الطريق العجيب العظيم . .
ثم فسره بقوله : { صِرَاطِ اللَّهِ [ الَّذِي ] } {[25982]} أي : شرعه الذي أمر به الله ، { الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } أي : ربهما ومالكهما ، والمتصرف فيهما ، الحاكم الذي لا معقب لحكمه ، { أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ } ، أي : ترجع الأمور ، فيفصلها ويحكم فيها .
آخر تفسير سورة " [ حم ] {[25983]} الشورى " والحمد لله رب العالمين .
وقوله : { صراط الله } يعني صراط شرع الله ورحمته وجنته ، فبهذا الوجه ونحوه من التقدير أضيف الصراط إلى الله تعالى . واستفتح القول في الإخبار بصيرورة الأمور إلى الله تعالى مبالغة وتحقيقاً وتثبيتاً ، والأمور صائرة على الدوام إلى الله تعالى ، ولكن جاءت هذه العبارة مستقبلة تقريباً لمن في ذهنه أن شيئاً من الأمور إلى البشر . وقال سهيل من أبي الجعد : احترق مصحف فلم يبق منه إلا قوله : { ألا إلى الله تصير الأمور } .
{ صراط الله الذي له في السماوات وما في الأرض }
وتنكير { صراط } للتعظيم مثل تنكير ( عظمٍ ) في قول أبي خراش :
فلا وأبي الطير المُرِبَّة في الضحى *** على خالد لقد وقعن على عَظْم
ولأن التنكير أنسب بمقام التعريض بالذين لم يأبهوا بهدايته .
وعُدل عن إضافة { صراط } إلى اسم الجلالة ابتداء لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل بأن يُبْدل منه بعد ذلك { صراط الله } ليتمكن بهذا الأسلوب المعنى المقصود فَضْلَ تمكُّن على نحو قوله : { اهدنا الصراط المستقيم صراطَ الذين أنعمت عليهم } [ الفاتحة : 6 ، 7 ] .
وإجراء وصف اسم الجلالة باسم الموصول وصلته للإيماء إلى أن سبب استقامة الصراط الذي يهدي إليه النبي بأنه صراط الذي يملك ما في السماوات وما في الأرض فلا يعْزب عنه شيء مما يليق بعباده ، فلما أرسَل إليهم رسولاً بكتاب لا يُرتاب في أن ما أرسل لهم فيه صلاحُهم .
{ أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } .
تذييل وتنهية للسورة بختام ما احتوت عليه من المجادلة والاحتجاج بكلام قاطع جامع منذر بوعيد للمعرضين فاجع ومبشر بالوعد لكل خاشع . وافتتحت الجملة بحرف التنبيه لاسترعاء أسماع النّاس . وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص ، أي إلى الله لا إلى غيره .
و { المصير } : الرّجوع والانتهاء ، واستعير هنا لظهور الحقائق كما هي يومَ القيامة فيَذهَب تلبيس الملبسين ، ويَهِن جبروت المتجبرين ، ويقرّ بالحق من كان فيه من المعاندين ، وهذا كقوله تعالى : { وإلى الله عاقبة الأمور } [ لقمان : 22 ] وقوله : { وإليه يرجع الأمر كله } [ هود : 123 ] . والأمور : الشؤون والأحوال والحقائق وكل موجود من الذوات والمعاني .
وقد أخذَ هذا المعنى الكميت في قوله :