{ أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } نزلت في عدي بن ربيعة ، حليف بني زهرة ، ختن الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اكفني جاري السوء ، يعني عدياً وذلك " أن عدي بن ربيعة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد حدثني عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك أو يجمع الله العظام ؟ فأنزل الله عز وجل : { أيحسب الإنسان } يعني الكافر { أن نجمع عظامه } بعد التفرق والبلى فنحييه . قيل : ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها . وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله : { قال من يحيي العظام وهي رميم }( يس- 78 ) .
وجواب القسم يفهم من قوله - تعالى - بعد ذلك : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } . والمراد بالإِنسان : جنسه . أو المراد به الكافر المنكر للبعث . والاستفهام للتوبيخ والتقريع .
وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية أن بعض المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : يا محمد حدثنى عن يوم القيامة ، فأخبره صلى الله عليه وسلم عنه .
فقال المشرك : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك - يا محمد - أو يجمع الله العظام . فنزلت هذه الآية .
والمعنى : أقسم بيوم القيامة الذى لا شك فى وقوعه فى الوقت الذى نشاؤه ، وأقسم بالنفس اللوامة التقية التى تلوم ذاتها على الخير ، لماذا لم تستكثر منه ، وعلى الشر لماذا فعلته ، لنجمعن عظامكم - أيها الناس - ولنبعثنكم للحساب والجزاء .
وافتتح - سبحانه - السورة الكريمة بهذا القسم ، للإِيذان بأن ما سيذكر بعده أمر بهم ، من شأن النفوس الواعية أن تستشرف له ، وأن تستجيب لما اشتمل عليه من هدايات وإرشادات .
ووصف - سبحانه - النفس باللوامة بصيغة المبالغة للإِشعار بأنها كريمة مستقيمة تكثر من لوم ذاتها ، وتحض صاحبها على المسارعة فى فعل الخيرات .
والعظام المراد بها الجسد ، وعبر عنه بها ، لأنه لا يقوم إلا بها ، وللرد على المشركين الذين استبعدوا ذلك ، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ }
( لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة ) . . على وقوع هذه القيامة ، ولكنه لما عدل عن القسم ، عدل عن ذكر المقسم به ، وجاء به في صورة أخرى كأنها ابتداء لحديث بعد التنبيه إليه بهذا المطلع الموقظ :
أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ? بلى قادرين على أن نسوي بنانه . .
وقد كانت المشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم لجمع العظام البالية ، الذاهبة في التراب ، المتفرقة في الثرى ، لإعادة بعث الإنسان حيا ! ولعلها لا تزال كذلك في بعض النفوس إلى يومنا هذا !
وقوله تعالى : { أيحسب الإنسان } تقرير وتوبيخ ، و { الإنسان } اسم جنس وهذه أقوال كانت لكفار قريش فعليها هو الرد ، وقرأ جمهور الناس : «نجمع عظامَه » بالنون ونصب الميم من العظام ، وقرأ قتادة «أن لن يجمع عظامُه » بالياء ورفع الميم من العظام ، ومعنى ذلك في القيامة وبعد البعث من القبور ، وقرأ أبو عمرو بإدغام العين .
وقوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } الخ دليل على جواب القسم إذ تقدير الجواب لنجمعن عظامكم ونبعثكم للحساب .
وتعريف { الإِنسان } تعريف الجنس ، ووقوعه في سياق الإِنكار الذي هو في معنى النفي يقتضي العموم ، وهو عموم عرفي منظور فيه إلى غالب الناس يومئذٍ إذ كان المؤمنون قليلاً . فالمعنى : أيحسب الإِنسان الكافر .
وجملة { أن لن نجمع عظامه } مركبة من حرف { أن } المفتوحة الهمزة المخففة النون التي هي أخت ( إنّ ) المكسورة .
والجملة الواقعة بعد { أنْ } خبر عن ضمير الشأن ، فسيبويه يجعل { أن } مع اسمها وخبرها سادّة مسدّ مفعولي فعل الظن . والأخفش يَجعل { أن } مع جزئيها في مقام المفعول الأول ( أي لأنه مصدر ) ويقدِّر مفعولاً ثانياً . وذلك أن من خواص أفعال القلوب جواز دخول ( أن ) المفتوحة الهمزة بعدها فيستغني الفعل ب ( أن ) واسمها وخبرها عن مفعوليه .
وجيء بحرف { لن } الدال على تأكيد النفي لحكاية اعتقاد المشركين استحالة جمع العظام بعد رمامها وتشتتها .
قال القرطبي : نزلت في عدي بن ربيعة ( الصواب ابن أبي ربيعة ) قال للنبيء صلى الله عليه وسلم يا محمد حدِّثْني عن يوم القيامة فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عدي : لو عاينتُ ذلك اليوم لم أصدقْك أوَ يجمع الله العظام . فنزلت هذه الآية ، ألا قلت : إن سبب النزول لا يخصص الإِنسان بهذا السائل .
والعظام : كناية عن الجسد كله ، وإنما خصت بالذكر لحكاية أقوالهم { من يُحيي العظام وهي رميم } [ يس : 78 ] { أإذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون } [ الإسراء : 49 ] { أإذَا كنا عظاماً نخرة } [ النازعات : 11 ] فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإِعادة بعد البِلى ، على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى . فإثبات إعادة العظام اقتضى أن إعادة بقية الجسم مساوٍ لإِعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإِيجاز .
ثم إن كانت إعادة الخلق بجَمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذراتتٍ الله أعلم بها ، وهو أحد قولين لعلمائنا ، ففعل { نجمع } محمول على حقيقته . وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على صور الأجسام الفانية سواء كان خلقاً مستأنفاً أو مبتدأ من أعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا . ففعل { نجمع } مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلِيَ . ومناسبة استعارته مشاكلةُ أقوال المشركين التي أريد إبطالُها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث ، ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلاّ إجمالها ومِن ثَم اختلف علماء الإِسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث . واختار إمام الحرمين التوقف ، وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين .