ثم بين - سبحانه - مصدر القرآن الذى أنزله - تعالى - للسعادة لا للشقاء فقال : { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى } .
وقوله { تَنزِيلاً } منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله { مَآ أَنَزَلْنَا . . } . أى : نزل هذا القرآن تنزيلا ممن خلق الأرض التى تعيشون عليها ، وممن خلق السموات العلى ، أى : المرتفعة . جمع العليا ككبرى وكبر ، وصغرى وصغر .
تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى . الرحمن على العرش استوى . له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } . .
فالذي نزل هذا القرآن هو الذي خلق الأرض والسماوات . . السماوات العلى . . فالقرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات . تنزلت من الملأ الأعلى . ويربط السياق بين النواميس التي تحكم الكون والتي ينزل بها القرآن ؛ كما ينسق ظل السماوات العلى مع الأرض ، وظل القرآن الذي ينزل من الملأ الأعلى إلى الأرض . .
وقوله : { تَنزيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا }{[19200]} أي : هذا القرآن الذي جاءك يا محمد [ هو ]{[19201]} تنزيل من [ ربك ]{[19202]} رب كل شيء ومليكه ، القادر على ما يشاء ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السموات العلى في ارتفاعها ولطافتها . وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره . أن سُمْك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبُعْد ما بينها والتي{[19203]} تليها [ مسيرة ]{[19204]} خمسمائة عام{[19205]} .
وقد أورد{[19206]} ابن أبي حاتم هاهنا حديث الأوعال{[19207]} من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه .
القول في تأويل قوله تعالى : { تَنزِيلاً مّمّنْ خَلَق الأرْضَ وَالسّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرّحْمََنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هذا القرآن تنزيل من الربّ الذي خلق الأرض والسموات العلى . والعُلَى : جمع عليا .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : تَنْزِيلاً فقال بعض نحويي البصرة : نصب ذلك بمعنى : نزّل الله ذلك تنزيلاً . وقال بعض من أنكر ذلك من قيله هذا من كلامين ، ولكن المعنى : هو تنزيل ، ثم أسقط هو ، واتصل بالكلام الذي قبله ، فخرج منه ، ولم يكن من لفظه .
{ تنزيلا } نصب بإضمار فعله أو ب{ يخشى } ، أو على المدح أو البدل من { تذكرة } إن جعل حالا ، وإن جعل مفعولا له لفظا أو معنى فلا لأن الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه . { ممن خلق الأرض والسموات العلى } مع ما بعده إلى قوله { له الأسماء الحسنى } تفخيم لشأن المنزل بفرط تعظيم المنزل بذكر أفعاله وصفاته على الترتيب الذي هو عند العقل ، فبدأ بخلق الأرض والسموات التي هي أصول العالم ، وقدم الأرض لأنها أقرب إلى الحس وأظهر عنده من السموات العلى وهو جمع العليا تأنيث العلى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.