الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{تَنزِيلٗا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلۡعُلَى} (4)

في نصب { تَنزِيلاً } وجوه : أن يكون بدلاً من تذكرة إذا جعل حالاً ، لا إذا كان مفعولاً له ؛ لأن الشيء لا يعلل بنفسه ، وأن ينصب بنزل مضمراً ، وأن ينصب بأنزلنا ؛ لأن معنى : ما أنزلناه إلا تذكرة : أنزلنا تذكرة ، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب ب ( يخشى ) مفعولاً به . أي : أَنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله ، وهو معنى حسن وإعراب بيِّن . وقرىء «تنزيل » بالرفع على خبر مبتدأ محذوف . ما بعد { تَنزِيلاً } إلى قوله : { لَهُ الأسماء الحسنى } تعظيم وتفخيم لشأن المنزل ، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته ، ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما { تَنزِيلاً } نفسه فيقع صلة له ، وإما محذوفاً فيقع صفة له .

فإن قلت : ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب ؟ قلت : غير واحدة : منها : عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة . ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة . ومنها أنه قال أوّلاً : { أَنزَلْنَا } ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع ، ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين : ويجوز أن يكون { أَنزَلْنَا } حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه . { والسموات العلى } وصف السموات بالعلى : دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها .