الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{تَنزِيلٗا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلۡعُلَى} (4)

قوله : { تَنزِيلاً } : في نصبِه أوجهٌ ، أحدها : أن يكونَ بدلاً مِنْ " تذكرةً " إذا جُعِل حالاً لا إذا كان مفعولاً [ له ] لأنَّ الشيءَ لا يعَلَّلُ بنفسِه . قلت : لأنه يصيرُ التقديرُ : ما أنزَلْنا القرآنَ إلاَّ للتنزيل . الثاني : أن ينتصبَ ب نزَّل مضمراً . الثالث : أن ينتصبَ ب " أَنْزَلْنا " لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرةً : أنزَلْناه تذكرةً . الرابع : أن ينتصبَ على المدحِ والاختصاصِ .

الخامس : أن ينتصبَ ب " يَخْشَى " مفعولاً به أي : أنزله للتذكرةِ لمَنْ يخشى تنزيلَ الله ، وهو معنى حسنٌ وإعرابٌ بيِّن .

قال الشيخُ : ولم يُنْصِفْه " والأحسنُ ما قدَّمناه أولاً من أنه منصوبٌ ب " نَزَّل " مضمرةً . وما ذكره الزمخشري مِنْ نصبه على غيره فمتكلَّفٌ : أمَّا الأولُ ففيه جَعْلُ تذكرةً وتنزيلاً حالين ، وهما مصدران . وجَعْلُ المصدرِ/ حالاً لا ينقاسُ .

وأيضاً فمدلولُ " تذكرةً " ليس مدلولَ " تنزيلَ " ، ولا " تنزيلاً " بعضُ تذكرة . فإن كان بدلاً فيكونُ بدلَ اشتمالٍ على مذهبِ مَنْ يرى أن الثاني مشتملٌ على الأولِ ؛ لأنَّ التنزيلَ مشتملٌ على التذكرة وغيرِها . وأمَّا قولُه : " لأنَّ معنى ما أنزلناه إلاَّ تذكرة : أَنْزَلْناه تذكرةً " فليس كذلك لأنَّ معنى الحصرِ يَفُوت في قولِه أنزلناه تذكرةً . وأمَّا نصبُه على المدحِ فبعيدٌ . وأمَّا نصبُه ب " يَخْشى " ففي غاية البُعْدِ لأنَّ " يخشى " رأسُ آيةٍ وفاصلٌ ، فلا يناسبُ أن يكونَ " تنزيلاً " منصوباً ب " يَخْشى " ، وقوله فيه " وهو حسنٌ وإعرابٌ بيِّنٌ " عُجمةٌ وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة " .

قلت : ويَكْفيه ردُّه الشيءَ الواضحَ مِنْ غير دليل ، ونسبةُ هذا الرجلِ إلى عدمِ الفصاحةِ ووجودِ العُجْمة .

قوله : { مِّمَّنْ خَلَق } يجوز في " مِنْ " أن تتعلق ب " تنزيلاً " ، وأن تتعلقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل " تنزيلاً " . وفي " خَلَق " التفاتٌ مِنْ تَكَلُّمٍ في قوله " أَنْزَلْنا " إلى الغَيْبة . وجوَّز الزمخشري أن يكونَ " ما أنزَلْنا " حكايةً لكلامِ جبريل وبعضِ الملائكة فلا التفاتَ على هذا .

وقوله : { الْعُلَى } جمع عُلْيا نحو : دنيا ودُنا . ونظيرُه في الصحيح كُبْرى وكُبَر ، وفُضْلى وفُضَل .