فصل - سبحانه - ما أعده لهم-للمتقين-فى الآخرة من تكريم فقال : { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب } .
والعدن فى اللغة : الإِقامة الدائمة فى المكان . يقال : عدن فلان بمكان كذا ، إذا أقام به إقامة دائمة . وجنات : بدل اشتمال من قوله : { لَحُسْنَ مَآبٍ } . أى : هؤلاء المتقون أكرمناهم فى الدنيا بالذكر الحسن . ونكرمهم فى الآخرة بأن ندخلهم جنات عظيمة دخولا دائما مؤبدا ، وقد فتحت أبوابها على سبيل التكريم لهم . والحفاوة بمقدمهم .
يبدأ المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع وفي الأجزاء ، وفي السمات والهيئات : منظر( المتقين )لهم ( حسن مآب ) . ومنظر( الطاغين )لهم ( شر مآب ) . فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب . ولهم فيها راحة الاتكاء ، ومتعة الطعام والشراب . ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب . وهن مع شبابهن ( قاصرات الطرف )لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن . وكلهن شواب أتراب .
ثم فسره بقوله : { جَنَّاتِ عَدْنٍ }أي : جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب . والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول : " مفتحة لهم أبوابها " أي : إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب الهَبَّاري حدثنا عبد الله بن نُمَيْر ، حدثنا عبد الله بن مسلم - يعني : ابن هرمز - عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبَرَة لا يدخله - أو : لا يسكنه - إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل » .
وقد ورد في ذكر أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة .
القول في تأويل قوله تعالى : { جَنّاتِ عَدْنٍ مّفَتّحَةً لّهُمُ الأبْوَابُ } :
قوله تعالى ذكره : ( جَنّاتِ عَدْنٍ ) : بيان عن حسن المآب ، وترجمة عنه ، ومعناه : بساتينُ إقامة . وقد بيّنا معنى ذلك بشواهده ، وذكرنا ما فيه من الاختلاف فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( جَنّاتِ عَدْنٍ ) قال : سأل عمر كعبا ما عَدَن ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمةُ العدل .
وقوله : ( مُفَتّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ ) يعني : مفتحة لهم أبوابها وأدخلت الألف واللام في الأبواب بدلاً من الإضافة ، كما قيل : فإنّ الجَنّةَ هِيَ المَأْوَى بمعنى : هي مَأْواه وكما قال الشاعر :
ما وَلَدْتكُمْ حَيّةُ ابْنَةُ مالِكٍ *** شفاحا وَما كانَتْ أحادِيثَ كاذِبِ
وَلَكِنْ نَرَى أقْدَامَنا فِي نِعالِكُمْ *** وآنُفَنا بينَ اللّحَي والحَوَاجِبِ
بمعنى : بين الحاكم وحواجبكم ولو كانت الأبواب جاءت بالنصب لم يكن لحنا ، وكان نصبه على توجيه المفتحة في اللفظ إلى جنات ، وإن كان في المعنى للأبواب ، وكان كقول الشاعر :
وَما قَوْمي بثعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ *** وَلا بِفَزَارَةَ الشّعْرَ الرّقابا
ثم نوّنت مفتحة ، ونصبت الأبواب .
فإن قال لنا قائل : وما في قوله : مُفَتّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ من فائدة خبر حتى ذكر ذلك ؟ قيل : فإن الفائدة في ذلك إخبار الله تعالى عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها إياها ، بمعاناة بيدٍ ولا جارحة ، ولكن بالأمر فيما ذُكر ، كما :
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي ، قال : حدثنا ابن نفيل ، قال : حدثنا ابن دعيج ، عن الحسن ، في قوله : مُفَتّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ قال : أبواب تكلم ، فتكلم : انفتحي ، انغلقي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.