وقوله - تعالى - : { التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة } صفة أخرى من صفات هذه النار ، وقوله : { تَطَّلِعُ } من الاطلاع ، بمعنى الوصول إلى الشيء بسرعة ، والكشف عن خباياه ، والنفاذ إلى منتهاه .
أى : سيلقى بهذا الشقي فى نار الله - تعالى - الموقدة ، التى تصل إلى أعماق الأفئدة والقلوب ، فتحيط بها ، وتنفذ إليها ، فتحرقها إحراقا تاما .
وخصت الأفئدة التى هي القلوب بالذكر ؛ لأنها ألطف ما في الأبدان وأشدها تألما بأدنى أذى يصيبها ، أو لأنها محل العقائد الزائفة ، والنيات الخبيثة ، ومنشأ الأعمال السيئة ، التي استحق هذا الهمزة اللمزة بسببها العقاب الشديد .
وقوله : { وَما أدْرَاكَ ما الْحُطَمَةُ } يقول : وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة ، ثم أخبره عنها ما هي ، فقال جلّ ثناؤه : هي { نارُ اللّهِ المُوقَدَةُ الّتِي تَطّلِعُ عَلى الأفْئِدَةِ } يقول : التي يطلع ألمها ووَهَجُها القلوب والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى . حُكي عن العرب سماعا : متى طَلَعْتَ أَرْضَنا وطلعتُ أرضي : بلغت .
والاطلاع يجوز أن يكون بمعنى الإِتيان مبالغة في طلع ، أي الإِتيان السريع بقوة واستيلاء ، فالمعنى : التي تنفذ إلى الأفئدة فتحرقها في وقت حرق ظاهر الجسد .
وأن يكون بمعنى الكشف والمشاهدة قال تعالى : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } [ الصافات : 55 ] فيفيد أن النار تحرق الأفئدة إحراق العالِم بما تحتوي عليه الأفئدة من الكفر فتصيب كل فؤاد بما هو كِفاؤه من شدة الحرق على حسب مبلغ سوء اعتقاده ، وذلك بتقدير من الله بين شدة النار وقابلية المتأثر بها لا يعلمه إلا مُقدِّره .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها إلى القلوب ، ثم تكسى لحما جديدا ، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة ، ثم أخبره عنها ما هي ، فقال جلّ ثناؤه : هي { نارُ اللّهِ المُوقَدَةُ الّتِي تَطّلِعُ عَلى الأفْئِدَةِ } يقول : التي يطلع ألمها ووَهَجُها القلوب والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ويجوز أن يخصّ الأفئدة ؛ لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة . ومعنى اطلاع النار عليها : أنها تعلوها وتغلبها وتشتمل عليها . أو تطالع على سبيل المجاز معادن موجبها . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
التي يبلغ إحراقها القلوب ولا يخمد ، والفؤاد القلب ، ويحتمل أن يكون المعنى أنها لا يتجاوزها أحد حتى تأخذه بواجب عقيدة قلبه ونيته ، فكأنها متطلعة على القلوب باطلاع الله تعالى إياها . ...
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
وقال ابن قتيبة : تطلع على الأفئدة ، أي توفي عليها وتشرف . وخص الأفئدة ؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه ، فأخبر أنهم في حال من يموت ، وهم لا يموتون . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ التي } ولما كان لا يطلع على أحوال الشيء إلا من قبله علماً قال : { تطلع } اطلاعاً شديداً { على الأفئدة } جمع فؤاد ، وهو القلب الذي يكاد يحترق من شدة ذكائه ، فكان ينبغي أن يجعل ذكاءه في أسباب الخلاص ، واطلاعها عليه بأن تعلو وسطه ، وتشتمل عليه اشتمالاً بالغاً ، سمي بذلك لشدة توقده ، وخص بالذكر ؛ لأنه ألطف ما في البدن ، وأشده تألماً بأدنى شيء من الأذى ، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة ، ومعدن حب المال الذي هو منشأ الفساد والضلال ، وعنه تصدر الأفعال القبيحة . ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
{ التي تطلع على الأفئدة } أي إنها تتغلب على الأفئدة وتقهرها ، فتدخل في الأجواف حتى تصل إلى الصدور ، فتأكل الأفئدة ، والقلب أشد أجزاء البدن تألما ، فإذا استولت عليه النار فأحرقته ، فقد بلغ العذاب بالإنسان غاية لا يقدرها قدرها . وقد يكون المراد بالاطلاع المعرفة والعلم ، وكأن هذه النار تدرك ما في أفئدة الناس يوم البعث ، فتميز العاصي عن المطيع ، والخبيث عن الطيب ، وتفرق بين من اجترحوا السيئات في حياتهم الأولى ، ومن أحسنوا أعمالهم ، وإنا لنكل أمر ذلك على علام الغيوب . وفي وصفها بالاطلاع على الأفئدة التي أودعت باطن الإنسان في أخفى مكان منه إشارة إلى أنها إلى غيره أشد وصولا وأكثر تغلبا . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والاطلاع يجوز أن يكون بمعنى الإِتيان مبالغة في طلع ، أي الإِتيان السريع بقوة واستيلاء ، فالمعنى : التي تنفذ إلى الأفئدة فتحرقها في وقت حرق ظاهر الجسد . وأن يكون بمعنى الكشف والمشاهدة قال تعالى : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } [ الصافات : 55 ] فيفيد أن النار تحرق الأفئدة إحراق العالِم بما تحتوي عليه الأفئدة من الكفر فتصيب كل فؤاد بما هو كِفاؤه من شدة الحرق على حسب مبلغ سوء اعتقاده ، وذلك بتقدير من الله بين شدة النار وقابلية المتأثر بها لا يعلمه إلا مُقدِّره . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.