ثم نصحهم بأن يأخذوا أنفسهم بشىء من العدل وسعة الصدر ، وأن يتركوا أتباعه أحراراً في عقيدتهم حتى يحكم الله بين الفريقين ، فقال : { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بالذي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فاصبروا حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين } .
أى : إن كان بعضكم قد آمن بما أرسلنى الله به إليكم من التوحيد وحسن الأخلاق ، وبعضكم لم يؤمن بما أرسلت به بل اصر على شركه وعناده ، فتربصوا وانتظروا حتى يحكم الله بيننا وبينكم بحكمه العادل ، الذي يتجلى في نصرة المؤمنين ، وإهلاك الظالمين ، وهو - سبحانه - خير الحاكمين .
قال صاحب الكشاف : وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم ، كقوله : { فتربصوا إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } أو هو عظة للمؤمنين وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقعم لهم منهم . ويجوز أن يكون خطابا للفريقين . أى : ليصبر المؤمنون على أذى الكفار ، وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب " .
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت لنا جانبا من الحجج الناصعة ، والنصائح الحكيمة ، والتوجيهات الرشيدة التي وجهها شعيب - خطيب الأنبياء إلى قومه .
وارجع اليصر - أيها القارئ الكريم - في هذه النصائح ترى شعيبا - عليه السلام - يأمر قومه بوحدانية الله لأنها أساس العقيدة وركن الدين الأعظم ، ثم يتبع ذلك بمعالجة الجرائم التي كانت متفشية فيهم ، فيأمرهم بإيفائهم الكيل والميزان ، وينهاهم عن بخس الناس أشياءهم وعن الإفساد في الأرض ، وعن القعود في الطرقات لتخويف الناس وتهديدهم ، وعن محاولة صرفهم عن طريق الحق ، بإلقاء الشبهات ، وإشاعة الاباطيل . مستعملا في وعظه التذكير بنعم الله تارة . وبنقمه من المذبين تارة أخرى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مّنكُمْ آمَنُواْ بِالّذِيَ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتّىَ يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } .
يعني بقوله تعالى ذكره : وَإنْ كان طائِفَةً مِنْكُمْ وإن كانت جماعة منكم وفرقة آمنوا ، يقول : صدّقوا ، بالّذِي أرْسِلَتُ بِهِ من إخلاص العبادة لله وترك معاصيه وظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازين ، فاتبعوني على ذلك . وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا يقول : وجماعة أخرى لم يصدّقوا بذلك ، ولم يتبعوني عليه . فاصْبِرُوا حتى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنا يقول : فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم . وَهُوَ خَيْرُ الحاكمِينَ يقول : والله خير من يفصل وأعدل من يقضي ، لأنه لا يقع في حكمه ميل إلى أحد ، ولا محاباة لأحد والله أعلم .
المعنى : وإن كنتم يا قوم قد اختلفتم عليَّ وشعبتم بكفركم أمري فآمنت طائفة وكفرت طائفة فاصبروا أيها الكفرة حتى يأتي حكم الله بيني وبينكم ، وفي قوله : { فاصبروا } قوة التهديد والوعيد ، هذا ظاهر الكلام وأن المخاطبة بجميع الآية للكفار ، وحكى منذر بن سعيد عن ابن عباس أن الخطاب بقوله : { فاصبروا } للمؤمنين على معنى الوعد لهم ، وقاله مقاتل بن حيان ، قال النقاش وقال مقاتل بن سليمان المعنى «فاصبروا » يا معشر الكفار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.