تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِن كَانَ طَآئِفَةٞ مِّنكُمۡ ءَامَنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦ وَطَآئِفَةٞ لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ فَٱصۡبِرُواْ حَتَّىٰ يَحۡكُمَ ٱللَّهُ بَيۡنَنَاۚ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (87)

85

87- وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .

أي : وإن اختلفتم في رسالتي ، فصرتم فريقين : فريق صدقوا بالذي أرسلت به من إخلاص العبادة لله وترك معاصيه من ظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازيين ، واتبعوني في ذلك .

وجماعة أخرى لم يصدقوني وأصروا على شركهم وإفسادهم .

فاصبروا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم ، وهو خير من يفصل وأعدل من يقضي ؛ لتنزهه عن الباطل والجور .

جاء في فتح البيان للعلامة صديق حسن خان :

وهذا في باب التهديد والوعيد الشديد لهم ، وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر ، وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ( 81 ) ومثله قوله تعالى : فتربصوا إنا معكم متربصون .

( التوبة : 52 ) .

وقال الأستاذ سيد قطب ، في ظلال القرآن :

لقد دعاهم إلى أعدل خطة ، ولقد وقف عند آخر نقطة لا يملك أن يتراجع وراءها خطوة . . نقطة الانتظار والتريث والتعايش بغير أذى ، وترك كل وما اعتنق من دين ، حتى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين .

ولكن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود ممثل في جماعة من الناس ، لا تدين للطاغوت ، إن وجود جماعة مسلمة في الأرض ، لا تدين إلا لله ، ولا تعترف بسلطان إلا سلطانه ، ولا تحكم في حياتها شرعا إلا شرعه ، ولا تتبع في حياته منهجا إلا منهجه – إن وجود جماعة مسلمة كهذه يهدد سلطان الطواغيت ، حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها ، وتركت الطواغيت لحكم الله حين يأتي موعده .

إن الطاغوت يفرض المعركة فرضا على الجماعة المسلمة ، حتى لو آثرت هي ألا تخوض معه المعركة ، إن وجود الحق في ذاته يزعج الباطل ، وهذا الوجود ذاته هو الذي يفرض عليه المعركة مع الباطل ، إنها سنة الله لابد أن تجرى ( 82 ) .

خاتمة :

يختم الجزء الثامن بهذا المقطع في قصة شعيب مع قومه مدين ، وفي صراع بين الإيمان والكفر ، واعتزاز الكفر بالجبروت والقوة ، وفي النهاية ينصر الله المؤمنين ، ويهلك الكافرين ، وهذه ظاهرة نلمحها في سورة الأعراف ، التي بدأت بإنذار الكافرين ، ثم قدمت دعوة لبني آدم ؛ ليحذروا من الشيطان .

ثم قدمت قصص عدد من الرسل مع قومهم ، فذكرت قصص قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، وقد شاهدنا هلاك المكذبين ، وانتصار المؤمنين ، وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .

وفي هذا القصص عظة وعبرة ، وتثبيت لدعائهم الإيمان ، وإحياء لذكرى المرسلين وجهادهم .

قال تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون . ( يوسف : 111 ) .

اللهم ، وفقنا للسير على سنن العدل والرشاد .

اللهم ، اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ، وذهاب غمنا وحزننا ، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته على النحو الذي يرضيك عنا .

اللهم ربنا ، آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

كان الفراغ من هذا الجزء الثامن عشية يوم الخميس 30 ذوالقعدة 1411 ه الموافق 13 يونيو 1999م بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان .

اللهم ربنا ولك الحمد والشكر حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه ، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، اللهم ، ارزقنا الإخلاص والقبول ، اللهم ، إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين .

*** ***