المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بدأت السورة بذكر هزيمة الروم ، ووعد الله المؤمنين أن ينصرهم على الفرس ، ودعت إلى التفكير في خلق الله ، والسير في الأرض ، ليعرفوا عاقبة الكافرين الذين عمروا الأرض أكثر مما عمرها قريش ، وعرضت لحال الناس يوم القيامة ، ونوهت بتسبيح المؤمنين لله وعبادتهم إياه في الغداة والعشي والظهيرة والأصيل . ونبهت إلى دلائل وحدانية الله بتعاقب الليل والنهار واختلاف الألسنة ومظاهر الكون في السماوات والأرض ، وضربت الأمثال التي تدل على بطلان الشرك ، وذكرت الناس بخلق الله لهم ونعمه عليهم ، وقوت دعائم الأسرة وأواصر المجتمع ، وعنيت بالتشريع فحرمت الربا ، وشرعت الزكاة وحثت على البر بالأقربين .

ثم امتن الله سبحانه على عباده ودعاهم إلى التدين والطاعة ، ووجه أنظارهم إلى ما في الكون من عجائب تدل على مبلغ القوة والقدرة ، وبين أطوار الإنسان إلى أن يبلغ أرذل العمر .

وأشارت الآيات الأخيرة إلى يوم القيامة وكفر المشركين به ، وختمت السورة بالنصح للرسول صلى الله عليه وسلم يثبت في الحق ، ويصبر على ما يلقى ، فإن وعد الله آت لا محالة .

1- بدأت السورة بهذه الآية لبيان أن القرآن مؤلف من هذه الحروف التي ينطق بها العرب في سهولة ووضوح ، ولكن المنكرين له عجزوا عن الإتيان بمثله . وهي - كذلك - تُنَبِّه الناس إلى الاستماع والإنصات . وتحملهم على التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم{[172]} .


[172]:تعليق الخبراء على الآيات من 1 – 4: في هذه الآيات الشريفة إشارة إلى حدثين: كان أولهما قد وقع بالفعل، وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد، وهو إخبار عن الغيب، (وحدد لوقوعه بضع سنين فيما بين ثلاث والسبع). وتفصيل الحدث الأول: أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام على أيام خسروا إبرويز أو خسروا الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسرى، وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل، ففي عام 614 م استولى الفرس على أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية، ثم على دمشق، وحاصروا مدينة بيت المقدس إلى أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم، وقد دمر الحريق كنيسة القيامة واستولى المغيرون على الصليب ونقلوه إلى عاصمتهم، وقد جزعت نفوس المسيحيين لهذه الكارثة المروعة، ولما كانت هذه الهزيمة مبعث سرور للمشركين من أهل مكة، سبب شماتتهم بالمسلمين لأن الروم أهل كتاب كأصحاب محمد (والفرس ليسوا أصحاب كتاب كالمشركين، أنزل الله ـ جل جلاله ـ على محمد هذه الآيات البينات ليبشرهم بنصرة أهل الكتاب وفرحتهم، وهزيمة المشركين وسوء عاقبتهم في فترة من الزمن حددها ببضع سنين. وتفصيل الحدث الثاني: أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة لم يفقد الأمل في النصر، ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار هزيمته، حتى إذا كان العام 622 الميلادي "أي العام الهجري الأول" أرغم الفرس على خوض معركة على أرض مينيا، وكان النصر حليف الروم، وهذا النصر فاتحة انتصارات الروم على الفرس، وهكذا انتصر أهل الكتاب على المشركين فتحققت بشرى القرآن. وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كانت مبعث فرح للمسلمين وهو: انتصارهم على مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة 17 رمضان من العام الثاني الهجري أي سنة (624 م).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الروم مكية إلا قوله فسبحان الله الآية وآيها ستون أو تسع وخمسون آية .

{ بسم الله الرحمن الرحيم } { آلم } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة تسمى سورة الروم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما في حديث الترمذي عن ابن عباس ونيار بن مكرم الأسلمي ، وسيأتي قريبا في تفسير الآية الأولى من السورة . ووجه ذلك أنه ورد فيها ذكر اسم الروم ولم يرد في غيرها من القرآن .

وهي مكية كلها بالاتفاق ، حكاه ابن عطية والقرطبي ، ولم يذكرها صاحب الإتقان في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري : أن هذه السورة نزلت يوم بدر فتكون عنده مدنية . قال أبو سعيد : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين وفرحوا بذلك فنزلت { الم غلبت الروم } إلى قوله { بنصر الله } وكان يقرؤها { غلبت } بفتح اللام ، وهذا قول لم يتابعه أحد ، وأنه قرأ { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } بالبناء للنائب ، ونسب مثل هذه القراءة إلى علي وابن عباس وابن عمر . وتأولها أبو السعود في تفسيره آخذا من الكشاف بأنها إشارة إلى غلب المسلمين على الروم . قال أبو السعود : وغلبهم المسلمون في غزوة مؤتة سنة تسع .

وعن ابن عباس كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان . وعن الحسن البصري أن قوله تعالى { فسبحان الله حين تمسون } الآية مدنية بناء على أن تلك الآية تشير إلى الصلوات الخمس وهو يرى أن الصلوات الخمس فرضت بالمدينة وأن الذي كان فرضا قبل الهجرة هو ركعتان في أي وقت تيسر للمسلم . وهذا مبني على شذوذ .

وهي السورة الرابعة والثمانون في تعداد نزول السور ، نزلت بعد سورة الانشقاق وقبل سورة العنكبوت . وقد روي عن قتادة وغيره أن غلب الروم على الفرس كان في عام بيعة الرضوان ، ولذلك استفاضت الروايات وكان بعد قتل أبي بن خلف يوم أحد .

واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة . ومن قال : إن ذلك كان بعد تسع سنين بتقديم التاء المثناة فقد حمل على التصحيف كما رواه القرطبي عن القشيري يقتضي أن نزول سورة الروم كان في إحدى عشرة قبل الهجرة لأن بيعة الرضوان كانت في سنة ست بعد الهجرة . وعن أبي سعيد الخذري أن انتصار الروم على فارس يوافق يومه يوم بدر .

وعدد آيها في عد أهل المدينة وأهل مكة تسع وخمسون . وفي عدد أهل الشام والبصرة والكوفة ستون .

وسبب نزولها ما رواه الترمذي عن ابن عباس والواحدي وغير واحد : أنه لما تحارب الفرس والروم الحرب التي سنذكرها عند قوله تعالى { غلبت الروم في أدنى الأرض } وتغلب الفرس على الروم كان المشركون من أهل مكة فرحين بغلب الفرس على الروم لأن الفرس كانوا مشركين ولم يكونوا أهل كتاب فكان حالهم أقرب إلى حال قريش ولأن عرب الحجاز والعراق كانوا من أنصار الفرس وكان عرب الشام من أنصار الروم فأظهرت قريش التطاول على المسلمين بذلك فأنزل الله هذه السورة مقتا لهم وإبطالا لتطاولهم بأن الله سينصر الروم على الفرس بعد سنين . فلذلك لما نزلت الآيات الأولى من هذه السورة خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة { ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } ، وراهن أبو بكر المشركين على ذلك كما سيأتي .

أغراض هذه السورة

أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سر المشركين من تغلب الفرس على الروم ، فقمع الله تعالى تطاول المشركين به وتحداهم بأن العاقبة للروم في الغلب على الفرس بعد سنين قليلة .

ثم تطرق من ذلك إلى تجهيل المشركين بأنهم لا تغوص أفهامهم في الاعتبار بالأحداث ولا في أسباب نهوض وانحدار الأمم من الجانب الرباني ، ومن ذلك إهمالهم النظر في الحياة الثانية ولم يتعظوا بهلاك الأمم السالفة المماثلة لهم في الإشراك بالله ، وانتقل من ذلك إلى ذكر البعث .

واستدل لذلك ولوحدانيته تعالى بدلائل من آيات الله في تكوين نظام العالم ونظام حياة الإنسان .

ثم حض النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين على التمسك بهذا الدين وأثنى عليه .

ونظر بين الفضائل التي يدعو إليها الإسلام وبين حال المشركين ورذائلهم ، وضرب أمثالا لإحياء مختلف الأموات بعد زوال الحياة عنها ولإحياء الأمم بعد يأس الناس منها ، وأمثالا لحدوث القوة بعد الضعف وبعكس ذلك .

وختم ذلك بالعود إلى إثبات البعث ثم بتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بالنصر .

ومن أعظم ما اشتملت عليه التصريح بأن الإسلام دين فطر الله الناس عليه وأن من ابتغى غيره دينا فقد حاول تبديل ما خلق الله وأنى له ذلك .

تقدم القول على نظيره في سور كثيرة وخاصة في سورة العنكبوت ، وأن هذه السورة إحدى ثلاث سور مما افتتح بحروف التهجي المقطعة غير معقبة بما يشير إلى القرآن ، وتقدم في أول سورة مريم .