اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الروم

مكية{[1]} وهي ستون آية ، وثمان مائة وتسع عشرة كلمة ، وثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاث حرفاً .

قوله تعالى : { الم . غُلِبَتِ الروم } وجه تعلق هذه السورة بما قبلها أن الله تعالى لما قال : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } وكان يجادل المشركين بنسبتهم إلى عدم العقل كما في قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 18 ] وكان أهل الكتاب يوافقون النبي والإله{[41770]} كما قال : { وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ } [ العنكبوت : 46 ] وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله ، بل كثير منهم كانوا مؤمنين ( به ){[41771]} كما قال : { فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ العنكبوت : 47 ] أبغض المشركون أهل الكتاب وتركوا مراجعتهم وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور ، وكان بين فارس والروم قتال والمشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن أهل فارس كانوا مجوساً آمنين ، والمسلمين يَودُّون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث «كسرى » جيشاً إلى الروم واستعمل عليهم رجلاً ( يقال{[41772]} له : شهريار وبعث «قيصر » جيشاً واستعمل عليهم ) رجلاً يدعى يحانس ، فالتقيا باذْرِعاتَ ، وبُصْرَى ، وقال عكرمة : هي أذرعات وكسكر{[41773]} ، وقال مجاهد : أرض الجزيرة{[41774]} ، وقال مقاتل : الأردن{[41775]} وفلسطين هي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق ذلك عليهم وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين : إنكم أهل الكتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيُّون{[41776]} وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الرُّوم وإنكم إن قاتلتمونا لنَظْهَرَنَّ عليكم فأنزل الله هذه الآيات{[41777]} لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق بل الله قد يريد في ثواب المؤمنين من يبتليه ، ويسلط عليه الأعادي ، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد{[41778]} .

فصل :

قد تقدم أن كل سورة افْتُتِحَتْ بحروف التَّهَجِّي فَإِن في أولها ذكرَ الكتاب أو التنزيلَ أو القرآنَ ، كقوله : { الم . ذلك الكتاب } { المص . كتاب } { طه ما أنزلنا عليك القرآن } { الم . تنزيل الكتاب } { حم . تنزيل من الرحمن الرحيم } { يس . والقرآن } { ق . والقرآن } إلا هذه السورة وسورتين{[41779]} أخريين ذكرناهما في العنكبوت ، وذكرنا الحكمة منهما هناك . وأما ما يتعلق بهذه السورة فنقول : إن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت ، وهذه في أوائلها ذكر ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب ، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع لما ترد عليه المعجزة ويفزع للاستماع .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[41770]:في "ب" والآية.
[41771]:ساقط من "ب".
[41772]:ما بين المعقوفين كله ساقط من "ب"
[41773]:انظر القرطبي 14/2.
[41774]:السابق.
[41775]:السابق.
[41776]:في "ب" آمنون.
[41777]:في "ب" الآية.
[41778]:في "ب" القيامة.
[41779]:وهما مريم والعنكبوت.