الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة لقمان

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة الروم بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير ؛ مثله .

وأخرج عبد الرزاق وأحمد بسند حسن عن رجل من الصحابة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ فيها سورة الروم .

وأخرج البزار عن الأغر المزني رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الصبح بسورة الروم .

وأخرج عبد الرزاق عن معمر بن عبد الملك بن عمير ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد وابن قانع من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي روح رضي الله عنه قال : صلى رسول الله عليه السلام الصبح ، فقرأ سورة الروم فتردد فيها ، فلما انصرف قال " إنما يلبس علينا صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور ، من شهد الصلاة فليحسن الطهور " .

أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { الم غلبت الروم } قال : غلبت . وغلبت قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب ، فذكروه لأبي بكر رضي الله عنه ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أما أنهم سيغلبون فذكره أبو بكر رضي الله عنه لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا . فجعل بينهم أجلاً خمس سنين ، فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا جعلته أراه قال : دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك » فذلك قوله { الم غلبت الروم } فغلبت ، ثم غلبت بعد . يقول الله { لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } قال سفيان : سمعت أنهم قد ظهروا عليهم يوم بدر .

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان فارس ظاهرين على الروم ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ، لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم . فلما نزلت { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } قالوا : يا أبا بكر إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين . قال : صدق قالوا : هل لك إلى أن نقامرك ؟ فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين ، فمضى السبع سنين ولم يكن شيء . ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين . وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال « ما بضع سنين عندكم ؟ قالوا : دون العشر . قال : اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل . قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بذلك ، وأنزل الله { الم غلبت الروم } إلى قوله { وعد الله لا يخلف الله وعده } » .

وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : لما أنزلت { الم غلبت الروم . . . } قال المشركون لأبي بكر رضي الله عنه : ألا ترى إلى ما يقول صاحبك . يزعم أن الروم تغلب فارس ؟ قال : صدق صاحبي . قالوا : هل لك أن نخاطرك ؟ فجعل بينه وبينهم أجلاً ، فحل الأجل قبل أن يبلغ الروم فارس ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فساءه وكرهه وقال لأبي بكر « ما دعاك إلى هذا ؟ قال : تصديقاً لله ورسوله ، فقال : تعرض لهم ، وأعظم الخطر ، واجعله إلى بضع سنين . فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال : هل لكم في العود فإن العود أحمد ؟ قالوا : نعم . ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس ، وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية ، فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا السحت تصدق به » .

وأخرج الترمذي وصححه والدارقطني في الإفراد والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإِيمان عن يسار بن مكرم السلمي قال : لما نزلت { الم غلبت الروم . . . } . كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفي ذلك يقول الله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } فقال ناس من قريش لأبي بكر : ذاك بيننا وبينكم يزعم صاحبك إن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذاك ؟ قال : بلى - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكر رضي الله عنه المشركون ، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر : لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين ، فسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه قال : فسموا بينهم ست سنين ، فمضت الست قبل أن يظهروا ، فأخذ المشركون رهن أبي بكر رضي الله عنه فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس ، فعاب المسلمون على أبي بكر رضي الله عنه بتسميته ست سنين قال : لأن الله قال { في بضع سنين } فأسلم عند ذلك ناس كثير .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه : لما نزلت { الم غلبت الروم } ألا يغالب البضع دون العشر » .

وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة يقولون : الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم ، وسنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فأنزل الله { الم غلبت الروم } قال ابن شهاب : فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : إنه لما نزلت هاتان الآيتان قامر أبو بكر بعض المشركين - قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب الروم فارس في بضع سنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لم فعلت ؟ فكل ما دون العشر بضع » فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين ، ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال : كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت { الم غلبت الروم } قرأها بالنصب إلى قوله { يفرح المؤمنون بنصر الله } قال : ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس قال الترمذي : هكذا قرأ { غلبت } .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله { الم غلبت الروم } قال : قد مضى . كان ذلك في أهل فارس والروم ، وكانت فارس قد غلبتهم ، ثم غلبت الروم بعد ذلك ، والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ، والتقى الروم مع فارس ، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على العجم . قال عطية : وسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال : التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصرنا على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على المجوس ، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين ، وفرحنا بنصر أهل الكتاب على المجوس ، فذلك قوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة { الم غلبت الروم في أدنى الأرض } قال : غلبتهم أهل فارس على أدنى أرض : الشام . { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } قال : لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم ، وعرفوا أن الروم ستظهر على أهل فارس ، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص ، وأجلوا بينهم خمس سنين ، فولي قمار المسلمين أبو بكر ، وولي قمار المشركين أبي بن خلف - وذلك قبل أن ينهى عن القمار - فجاء الأجل ولم تظهر الروم على فارس ، فسأل المشركون قمارهم ، فذكر ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال « ألم تكونوا أَحِقَّاءَ أن تؤجلوا أجلا دون العشر ؟ فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزايدوهم وما دوهم في الأجل ، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس السبع من قمارهم الأول ، فكان ذلك مرجعهم من الحديبية ، وكان مما شد الله به الإِسلام ، فهو قوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } » .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن الزبير الكلابي قال : رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، وظهورهم على الشام والعراق ، كل ذلك في خمس عشرة سنة .