المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

21- قال الملك : الأمر كما قلت : لم يمسك رجل . قال ربك : إعطاء الغلام بلا أب علي سهل ، وليكون ذلك آية للناس تدل علي عظيم قدرتنا ، كما يكون رحمة لمن يهتدي به . وكان خلق عيسى أمراً مقدراً لا بد منه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

{ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي : فقال لها الملك مجيبًا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلامًا ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد{[18739]} منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر{[18740]} ؛ ولهذا قال : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع{[18741]} في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .

وقوله : { وَرَحْمَةً مِنَّا } أي ونجعل{[18742]} هذا الغلام رحمة من الله نبيًّا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنَ الصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده{[18743]} وكهولته .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم - دُحَيْم - حدثنا مروان ، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي ، عن مجاهد قال : قالت مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .

وقوله : { وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } [ التحريم : 12 ] وقال { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا } [ الأنبياء : 91 ]

قال محمد بن إسحاق : { وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضًا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .


[18739]:في ت، ف، أ: "ولا يوجد".
[18740]:في أ: "قدير".
[18741]:في ت، ف، أ: "تنوع".
[18742]:في ت، ف، أ: "ويجعل".
[18743]:في ت، أ: "المهد".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

جواب المَلَك معناه : أن الأمر كما قلت ، نظير قوله في قصة زكرياء : { كذلك قال ربك هو علي هين ، } وهو عدول عن إبطال مرادها من المراجعة إلى بيان هون هذا الخلق في جانب القدرة على طريقة الأسلوب الحكيم .

وفي قوله { هو علي هين } توجيه بأن ما اشتكته من توقع ضدّ قولها وطعنهم في عرضها ليس بأمر عظيم في جانب ما أراد الله من هدي الناس لرسالة عيسى عليه السلام بأن الله تعالى لا يصرفه عن إنفاذ مراده ما عسى أن يعرض من ضر في ذلك لبعض عبيده ، لأنّ مراعاة المصالح العامة تقدم على مراعاة المصالح الخاصة .

فضمير { هو علي هين } عائد إلى ما تضمنه حوارها من لحاق الضر بها كما فسرنا به قولها { ولم يَمْسَسني بَشَر ولم أكُ بَغِياً } . فبين جواب الملك إياها وبين جواب الله زكرياء اختلاف في المعنى .

والكلام في الموضعين على لسان المَلك من عند الله ، ولكنه أسند في قصة زكرياء إلى الله لأن كلام المَلك كان تبليغَ وحي عن الله جواباً من الله عن مناجاة زكرياء ، وأسند في هذه القصة إلى الملَك لأنه جواب عن خطابها إياه .

وقوله { ولنجعله } عطف على { فأرسلنا إليها روحنا } باعتبار ما في ذلك من قول الرُّوح لها { لأهب لك غلاماً زكياً ، } أي لأن هبة الغلام الزكي كرامة من الله لها ، وجعله آية للناس ورحمة كرامة للغلام ، فوقع التفات من طريقة الغيبة إلى طريقة التكلم .

وجملة { وكان أمراً مقضياً } يجوز أن تكون من قول الملك ، ويجوز أن تكون مستأنفة . وضمير { كان عائد إلى الوهْب المأخوذ من قوله لأهب لك غلاماً } .

وهذا قطع للمراجعة وإنباء بأن التخليق قد حصل في رحمها .