المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

34- واحفظن ما يقرأ في بيوتكن من آيات القرآن التي أنزلها الله ، وما ينطق به رسول الله من الحكم السديد . إن الله كان عالما بغوامض الأشياء وحقائقها ، فاحذرن مخالفته ومعصية رسوله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

{ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }أي : اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة . قاله قتادة وغير واحد ، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن{[23439]} بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس ، وعائشة [ الصديقة ]{[23440]} بنت الصديق أَوْلاهُنَّ بهذه النعمة ، وأحظاهن بهذه الغنيمة ، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ، فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ في فراش امرأة سواها ، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه{[23441]} . قال بعض العلماء ، رحمه الله : لأنه لم يتزوج بكرا سواها ، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه ، فناسب أن تخصص بهذه المزية ، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية . ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته ، فقرابته أحق بهذه التسمية ، كما تقدم في الحديث : " وأهل بيتي أحق " . وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال : " هو مسجدي هذا " {[23442]} . فهذا من هذا القبيل ؛ فإن الآية إنما نزلت في مسجد قُباء ، كما ورد في الأحاديث الأخر . ولكن إذا كان ذاك أسّسَ على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بِتَسمِيَته بذلك ، والله أعلم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عَوَانة ، عن حُصَين بن عبد الرحمن ، عن أبي جميلة{[23443]} قال : إن الحسن بن علي استُخلفَ حين قُتِل علي ، رضي الله عنهما{[23444]} قال : فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد ، وحسن ساجد قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه ، فمرض منها أشهرا ، ثم بَرَأ فقعد على المنبر ، فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال الله : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يَحِنّ بكاء .

وقال السُّدِّي ، عن أبي الديلم قال : قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ؟ قال : نعم ، ولأنتم هم ؟ قال : نعم .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } أي : بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة ، وبخبرته{[23445]} بكن وأنكن أهل لذلك ، أعطاكن ذلك وخصكن بذلك .

قال ابن جرير ، رحمه الله : واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة ، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه .

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } أي : ذا لطف بكن ، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة . وهي السنة ، خبيرًا بكنَّ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا .

وقال قتادة : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } قال : يمتنُّ عليهن بذلك . رواه ابن جرير .

وقال عطية العَوْفي في قوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } يعني : لطيف باستخراجها ، خبير بموضعها . رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : وكذا روى الربيع بن أنس ، عن قتادة{[23446]} .


[23439]:- في أ: "خصصتهن".
[23440]:- زيادة من أ.
[23441]:- في ت: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[23442]:- صحيح مسلم برقم (1398) من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه.
[23443]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
[23444]:- في ت ، ف ، أ: "عنه".
[23445]:- في ت: "بمخبرته".
[23446]:- في ت: "وقتادة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34)

لما ضمِن الله لهن العظمة أمرهن بالتحلي بأسبابها والتملّي من آثارها والتزود من علم الشريعة بدراسة القرآن ليجمع ذلك اهتداءَهن في أنفسهن ازدياداً في الكمال والعلم ، وإرشادَهن الأمة إلى ما فيه صلاح لها من علم النبي صلى الله عليه وسلم .

وفعل { اذْكُرن } يجوز أن يكون من الذُّكر بضم الذال وهو التذكّر ، وهذه كلمة جامعة تشمل المعنى الصريح منه ، وهو أن لا ينسَيْن ما جاء في القرآن ولا يغفلن عن العمل به ، ويشمل المعنى الكنائي وهو أن يراد مراعاة العمل بما يتلى في بيوتهن مما ينزل فيها وما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، وما يبيّن فيها من الدين ، ويشمل معنى كنائياً ثانياً وهو تذكر تلك النعمة العظيمة أَن كانت بيوتهن موقع تلاوة القرآن .

ويجوز أن يكون من الذِّكر بكسر الذال ، وهو إجراء الكلام على اللسان ، أي بلّغْنَه للناس بأن يقرأن القرآن ويبلغن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته . وفيه كناية عن العمل به . والتلاوة : القراءة ، أي إعادة كلام مكتوب أو محفوظ ، أي ما يتلوه الرسول صلى الله عليه وسلم و { من آيات الله والحكمة } بيان لما يتلى فكل ذلك متلوّ ، وذلك القرآن ، وقد بين المتلو بشيئين : هما آيات الله ، والحكمة ، فآيات الله يعم القرآن كلَّه ، لأنه معجز عن معارضته فكان آية على أنه من عند الله .

وعطف { والحكمة } عطف خاص على عام وهو ما كان من القرآن مواعظ وأحكاماً شرعية ، قال تعالى بعد ذكر الأحكام التي في سورة الإِسراء ( 39 ) { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي ما يتلى في بيوتهن عند نزوله ، أو بقراءة النبي ودراستهن القرآن ، ليتجدد ما علِمْنه ويلمع لهن من أنواره ما هو مكنون لا ينضُب معينه ، وليكُنّ مشاركاتٍ في تبليغ القرآن وتواتره ، ولم يزل أصحاب رسول الله والتابعون بعدهم يرجعون إلى أمهات المؤمنين في كثير من أحكام النساء ومن أحكام الرجل مع أهله ، كما في قوله تعالى : { اذكرني عند ربك } [ يوسف : 42 ] ، أي بلغ خبر سجني وبقائي فيه .

وموقع مادة الذكر هنا موقع شريف لتحملها هذه المحامل ما لا يتحمله غيرها إلا بإطناب . قال ابن العربي : إن الله تعالى أمر نبيئه عليه الصلاة والسّلام بتبليغ ما أنزل إليه فكان إذا قرأ على واحد أو ما اتفق سقط عنه الفرض ، وكان على من تبعه أن يبلغه إلى غيره ولا يلزمه أن يذكره لجميع الصحابة .

وقد تكرر ذكر الحكمة في القرآن في مواضع كثيرة ، وبيّنّاه في سورة البقرة .

وتقدم قريباً اختلاف القراء في كسر باء ( بيوت ) أو ضمها .

وجملة { إن الله كان لطيفاً خبيراً } تعليل للأمر وتذييل للجمل السابقة .

والتعليل صالح لمحامل الأمرِ كلها لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشقّ على المُسدَى إليه .

وفيما وُجّه إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي ما هو صلاح لهن وإجراء للخير بواسطتهن ، وكذلك في تيسيره إياهن لمعاشرة الرسول عليه الصلاة والسلام وجعلهن أهل بيوته ، وفي إعدادهن لسماع القرآن وفهمه ، ومشاهدة الهدي النبوي ، كل ذلك لطف لهن هو الباعث على ما وجهه إليهن من الخطاب ليتلقّيْن الخبرَ ويبلغنه ، ولأن الخبير ، أي العليم إذا أراد أن يُذهب عنهن الرجس ويطهرهن حصل مراده تاماً لا خلل ولا غفلة .

فمعنى الجملة أنه تعالى موصوف باللطف والعلم كما دلّ عليه فعل { كان } فيشمل عمومُ لطفِه وعلمِه لطفَه بهن وعلمَه بما فيه نفعهن .