ثم بين تعالى ما أنعم الله به عليهن من أن بيوتهن مهابط الوحي بقوله تعالى : { واذكرن } أي : في أنفسكن ذكراً دائماً ، واذكرنه لغيركن على جهة الوعظ والتعليم { ما يتلى } أي : يتابع ويوالى ذكره { في بيوتكن } أي : بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم الذي خيركن . وقوله تعالى : { من آيات الله } أي : القرآن بيان للموصول فيتعلق بأعني ، ويجوز أن يكون حالاً إما من الموصول ، وإما من عائده المقدر فيتعلق بمحذوف أيضاً ، واختلف في قوله تعالى : { والحكمة } فقال قتادة : يعني السنة ، وقال مقاتل : أحكام القرآن ومواعظه { إن الله } أي : الذي له جميع العظمة { كان } أي : ولم يزل { لطيفاً } أي : يوصل إلى المقاصد بلطائف الأضداد { خبيراً } أي : بجميع خلقه يعلم ما يسرون وما يعلنون لا تخفى عليه خافية ، فيعلم من يصلح لبيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن لا ، وما يصلح الناس ديناً ودنيا ، وما لا يصلحهم . والطرق الموصلة لكل ما قضاه وقدره وإن كانت على غير ما يألفه الناس .
من انقطع إلى الله كفاه الله تعالى كل مؤنة ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ، ولقد صدق الله تعالى وعده في لطفه وحقق بره في خبره بأن فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر ، فأفاض بها من رزقه الواسع .
ولما توفى نبيه صلى الله عليه وسلم ليحميه من زهرة الحياة الدنيا فتح الفتوحات الكبار من بلاد فارس والروم ومصر وما بقي من اليمن ، فعم الفتح جميع الأقطار ، الشرق والغرب والجنوب والشمال ، ومكن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم من كنوز تلك البلاد وذخائر أولئك الملوك حتى صار الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يكيلون المال كيلاً ، وزاد الأمر حتى دوّن عمر رضي الله تعالى عنه الدواوين .
وفرض للناس عامة أرزاقهم حتى للرضعاء ، وكان أولاً لا يفرض للمولود حتى يفطم ، فكانوا يستعجلون بالفطام فنادى مناديه لا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام ، وفاوت بين الناس في العطاء بحسب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم والبعد منه ، وبحسب السابقة في الإسلام والهجرة . ونزل الناس منازلهم بحيث أرضى جميع الناس ، حتى قدم عليه خالد بن عرفطة فسأله عما وراءه فقال : تركتهم يسألون الله تعالى أن يزيد في عمرك من أعمارهم ، قال عمر : إنما هو حقهم ، وأنا أسعى بأدائه إليهم وإني لأعم بنصيحتي كل من طوقني الله أمره ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من مات غاشاً لرعيته لم يَرَ ريح الجنة » فكان فرضه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً لكل واحدة ، وهي نحو ألف دينار في كل سنة ، وأعطى عائشة خمسة وعشرين ألفاً لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، فأبت أن تأخذ إلا ما تأخذه صواحباتها .
وروي عن برزة بنت رافع قالت : لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها ، فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر ، غيري من أخواتي أقوى على قسم هذا مني قالوا : هذا كله لك قالت : سبحان الله ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوباً ، ثم قالت لي : أدخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها وأيتام لها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب قالت برزة بنت رافع : نظر الله لك يا أم المؤمنين والله لقد كان لنا في هذا المال حق قالت : فلكم ما تحت الثوب قالت : فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهماً ، ثم رفعت يديها إلى السماء وقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا فماتت ، قال البقاعي : ذكر ذلك البلاذري في كتاب «فتوح البلاد » انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.