يذكر تعالى نعمته وفضله العظيم على عبده ورسوله الكريم ، فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .
قال ابن مسعود ، رضي الله عنه : يطرق الناس ريح حمراء - يعني في آخر الزمان - من قبل الشام ، فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية ، ثم قرأ ابن مسعود : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } الآية .
وقوله تعالى : { ولئن شئنا } الآية فيها شدة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي عتاب على قوله غداً أعلمكم ، فأمر بأن يقول إن الروح من أمر ربه فيذعن بالتسليم لله في أنه يعلم بما شاء ، ويمسك عن عباده ما شاء ، ثم قيل له { وما أوتيتم } أنت يا محمد وجميع الخلائق { من العلم إلا قليلاً } ، فالله يعلم من علمه بما شاء ويدع ما شاء ، ولئن شاء لذهب بالوحي الذي أتاك ، ثم لا ناصر لك منه ، أي فليس بعظيم أن لا تجيء بتفسير في الروح الذي أردت أن تفسره للناس ووعدتهم بذلك ، وروى ابن مسعود أنه ستخرج ريح حمراء من قبل الشام فتزيل القرآن من المصاحف ومن الصدور وتذهب به ، ثم يتلو هذه الآية{[7691]} .
أراد ابن مسعود بتلاوة الآية أن يبدي أن الأمر جائز الوقوع ليظهر مصداق خبره من كتاب الله تعالى .
و «الوكيل » القائم بالأمر في الانتصار أو المخاصمة ونحو ذلك من وجود النفع .
هذا متصل بقوله : { وننزل من القرآن ما هو شفاء } [ الإسراء : 82 ] الآية أفضت إليه المناسبة فإنه لما تضمن قوله : { قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] تلقينَ كلمة علم جامعة ، و تضمن أن الأمة أوتيت علماً ومُنعت علماً ، وأن علم النبوءة من أعظم ما أوتيته ، أعقب ذلك بالتنبيه إلى الشكر على نعمة العلم دفعاً لغرور النفس ، لأن العلم بالأشياء يكسبها إعجاباً بتميزها عمن دونها فيه ، فأوقظت إلى أن الذي منح العلم قادر على سلبه ، وخوطب بذلك النبي لأن علمه أعظم علم ، فإذا كان وجود علمه خاضعاً لمشيئة الله فما الظن بعلم غيره ، تعريضاً لبقية العلماء . فالكلام صريحُه تحذير ، وهو كناية عن الامتنان كما دل عليه قوله بعده إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيراً وتعريض بتحذير أهل العلم .
واللام موطئة للقسم المحذوف قبل الشرط .
وجملة { لنذهبن بالذي أوحينا إليك } جواب القسم . وهو دليل جواب الشرط ومغن عنه .
و { لنذهبن بالذي أوحينا } بمعنى لنذهبنه ، أي عنك ، وهو أبلغ من ( نُذهبه ) كما تقدم في قوله : { الذي أسرى بعبده } [ الإسراء : 1 ] .
و ( ثم ) للترتيب الرتبي ، لأن نفي الطمع في استرجاع المسلوب أشد على النفس من سلبه . فذكره أدخل في التنبيه على الشكر والتحذير من الغرور .
والوكيل : من يوكل إليه المهم . والمراد به هنا المدافع عنك والشفيع لك . ولما فيه من معنى الغلبة عدي ب ( على ) . ولما فيه من معنى التعهد والمطالبة عدي إلى المردود بالباء ، أي متعهداً بالذي أوحينا إليك . ومعنى التعهد : به التعهد باسترجاعه ، لأنه في مقابلة قوله : { لنذهبن بالذي أوحينا إليك } ، ولأن التعهد لا يكون بذات شيء بل بحال من أحواله فجرى ، الكلام على الإيجاز .
وذكر هنا { وكيلاً } وفي الآية قبلها { نصيراً } لأن معنى هذه على فرض سلب نعمة الاصطفاء ، فالمطالبة بإرجاع النعمة شفاعة ووكالة عنه ، وأما الآية قبلها فهي في فرض إلحاق عقوبة به ، فمدافعة تلك العقوبة أو الثأر بها نصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.