{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ } أي : فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة ، كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا ، فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة : { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ } أي : في كتاب الأعمال ، { إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ } أي : من يوم خلقتم إلى أن بعثتم ، { وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهََذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلََكِنّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } .
كان قَتادة يقول : هذا من المقدّم الذي معناه التأخير .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَقالَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كتابِ اللّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ قال : هذا من مقاديم الكلام . وتأويلها : وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم : لقد لبثتم في كتاب الله .
وذُكر عن ابن جُرَيج أنه كان يقول : معنى ذلك : وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله ، والإيمان بالله وكتابه .
وقوله : فِي كِتابِ اللّهِ يقول : فيما كتب الله مما سبق في علمه أنكم تلبثونه فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ يقول : فهذا يوم يبعث الناس من قبورهم وَلَكِنّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلمَونَ يقول : ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون ، وأنكم مبعوثون من بعد الموت ، فلذلك كنتم تكذبون .
ثم أخبر تعالى عن { الذين أوتوا العلم والإيمان } أنهم يقفون في تلك الحال على حق ويعرفون أنه الوعد المتقرر في الدنيا ، وقال بعض المفسرين : إنما أراد الإيمان والعلم ففي الكلام تقديم وتأخير .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا يحتاج إلى هذا بل ذكر العلم يتضمن الإيمان ولا يصف الله بعلم من لم يعلم كل ما يوجب الإيمان ، ثم ذكر الإيمان بعد ذلك تنبيهاً عليه وتشريفاً لأمره كما قال تعالى : { فاكهة ونخل ورمان }{[9338]} [ الرحمن : 68 ] فنبه على مكان الإيمان وخصه بالذكر تشريفاً{[9339]} .
جعل الله منكري البعث هدفاً لسهام التغليظ والافتضاح في وقت النشور ، فلما سمع المؤمنون الذين أوتوا علم القرآن وأشرقت عقولهم في الحياة الدنيا بالعقائد الصحيحة وآثار الحكمة لم يتمالكوا أن لا يردوا عليهم غلطهم رداً يكون عليهم حسرات أن لا يكونوا قبلوا دعوة الحق كما قبلها المؤمنون . وهذه الجملة معترضة . وعطف الإيمان على العلم للاهتمام به لأن العلم بدون إيمان لا يرشد إلى العقائد الحق التي بها الفوز في الحياة الآخرة . والمعنى : وقال لهم المؤمنون إنكاراً عليهم وتحسيراً لهم .
والظاهر أن المؤمنين يسمعون تَحَاجَّ المشركين بعضهم مع بعض فيبادرون بالإنكار عليهم لأن تغيير المنكر سجيتهم التي كانوا عليها . وفي هذا أدب إسلامي وهو أن الذي يسمع الخطأ في الدين والإيمان لا يقره ولو لم يكن هو المخاطَب به .
وقولهم : { لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } صرف لهم عن تلك المعذرة كأنهم يقولون : دَعُوا عنكم هذا فلا جدوى فيه واشتغِلوا بالمقصود وما وُعدتم به من العذاب يوم البعث . وفعل { لَبِثْتُم } مستعمل في حقيقته ، أي مكثْتم ، أي استقررتم في القبور ، والخبر مستعمل في التحزين والترويع باعتبار ما يرد بعده من الإفصاح عن حضور وقت عذابهم . و { في } من قوله { فِي كِتَاب الله } للتعليل ، أي لبثتم إلى هذا اليوم ولم يعذبوا من قبل لأجل ما جاء في كتاب الله من تهديدهم بهذا اليوم مثل قوله تعالى : { ومِنْ وَرَائهم بَرْزَخ إلى يَوْم يُبْعَثُون } [ المؤمنون : 100 ] ، أي : لقد بلغكم ذلك وسمعتموه فكان الشأن أن تؤمنوا به ولا تعتذروا بقولكم مَا لَبِثْنا غيرَ سَاعة .
والفاء في { فهذا يوم البعث } فاء الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر ، وتفيد معنى المفاجأة كما تقدم عند قوله تعالى : { فَقَدْ كَذَّبُّوكم بِمَا تَقُولون } في سورة الفرقان ( 19 ) ، أي إذا كان كذلك فهذا يوم البعث كالفاء في قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسانُ أقصى ما يُراد بنا *** ثم القفول فقد جئنا خراسانا
وهذا توبيخ لهم وتهديد وتعجيل لإساءتهم بما يترقبهم من العذاب . والاقتصار على { فهذا يوم البعث } ليتوقعوا كل سوء وعذاب .
والاستدراك في { ولكنكم كنتم لا تعلمون } استدراك على ما تضمنته جملة { لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } أي لقد بلغكم ذلك وكان الشأن أن تستعدوا له ولكنكم كنتم لا تعلمون ، أي : لا تتصدون للعلم بما فيه النفع بل كان دأبكم الإعراض عن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم .
وفي التعبير بنفي العلم وقصدِ نفي الاهتمام به والعناية بتلقيه إشارة إلى أن التصدي للتعلّم وسيلة لحصوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.