الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (56)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وقال الذين أوتوا العلم والإيمان} للكفار يوم القيامة: {لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث}...

{فهذا يوم البعث} الذي كنتم به تكذبون أنه غير كائن، {ولكنكم كنتم لا تعلمون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

...عن قَتادة، قوله:"وَقالَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كتابِ اللّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ" قال: هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله.

وذُكر عن ابن جُرَيج أنه كان يقول: معنى ذلك: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله، والإيمان بالله وكتابه.

وقوله: "فِي كِتابِ اللّهِ "يقول: فيما كتب الله مما سبق في علمه أنكم تلبثونه، "فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ" يقول: فهذا يوم يبعث الناس من قبورهم، "وَلَكِنّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلمَونَ" يقول: ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون، وأنكم مبعوثون من بعد الموت، فلذلك كنتم تكذبون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختلف فيه: قال بعضهم: هو على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: الذين أوتوا العلم في كتاب الله، أي أتوا العلم بكتاب الله والإيمان به.

وقال بعضهم: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم} في علم الله في الدنيا {إلى يوم البعث فهذا يوم البعث}.

{ولكنكم كنتم لا تعلمون} هذا يخرّج على وجهين: أحدهما: على حقيقة نفي العلم عنهم، لكنهم لا يعذرون لجهلهم بذلك لما أعطوا أسباب العلم، لو تفكروا، أو تأملوا، لعلموا.

والثاني: على نفي الانتفاع بعلمهم على ما نفى عنهم حواس كانت لهم لما لم ينتفعوا بها. فعلى ذلك جائز نفي العلم عنهم بذلك لما لم ينتفعوا بما علموا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

يقول الله تعالى مخبرا عن الذين قد أعطاهم الله العلم وآتاهم إياه بما نصب لهم من الأدلة الموجبة له، ونظروا فيها فحصل لهم العلم، فلذلك أضافه إلى نفسه لما كان هو الناصب للأدلة الدالة على العلوم، والتصديق بالله ورسوله.

"في كتاب الله" ومعناه إن لبثكم مذكور ثابت في كتاب الله بينه الله فيه، فصار من أجل ان بيانه في كتابه كأنه في الكتاب، كما تقول كلما يكون فهو في اللوح المحفوظ أي هو مبين فيه، وقيل "في كتاب الله" أي في كتابه الذي أخبرنا به.

واللبث لا يكون إلا في المكان، كما لا يكون السكون إلا فيه، والبقاء قد يكون لا في مكان، ولذلك يوصف تعالى بالباقي، ولا يوصف ب (لابث).

"إلى يوم البعث"... وأصل البعث جعل الشيء جاريا في أمر، ومنه انبعث الماء إذا جرى وانبعث من بين الأموات إذا خرج خروج الماء، ويوم البعث يوم إخراج الناس من قبورهم إلى أرض المحشر.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

القائلون: هم الملائكة، والأنبياء. والمؤمنون {فِي كتاب الله} في اللوح. أو في علم الله وقضائه. أو فيما كتبه، أي: أوجبه بحكمته. ردّوا ما قالوه وحلفوا عليه، وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم: {فهذا يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه...

إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث، أي فقد تبين بطلان قولكم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

الموعود بوعد إذا ضرب له أجل يستكثر الأجل ويريد تعجيله، والموعد بوعيد إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها، لكن المجرم إذا حشر علم أن مصيره إلى النار فيستقل مدة اللبث ويختار تأخير الحشر والإبقاء في القبر، والمؤمن إذا حشر علم أن مصيره إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد التأخير فيختلف الفريقان ويقول أحدهما إن مدة لبثنا قليل وإليه الإشارة بقوله: {يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} ويقول الآخر لبثنا مديدا وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} يعني كان في كتاب الله ضرب الأجل إلى يوم البعث ونحن صبرنا إلى يوم البعث {فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} يعني طلبكم التأخير، لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أي: فيرد عليهم المؤمنون العلماء في الآخرة، كما أقاموا عليهم حجة الله في الدنيا، فيقولون لهم حين يحلفون ما لبثوا غير ساعة: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} أي: في كتاب الأعمال، {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أي: من يوم خلقتم إلى أن بعثتم، {وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما وصف الجاهلين، أتبعه صفة العلماء فقال: {وقال الذين} و عبر بقوله: {أوتوا العلم} تنبيهاً على شكر من آتاهموه، وبناه للمجهول إشارة إلى تسهيل أخذه عليهم من الجليل و الحقير، وأتبعه ما لا يشرق أنواره ويبرز ثماره غيره، فقال: {والإيمان} إشارة إلى تفكرهم في جميع الآيات الواضحة والغامضة مقسمين كما أقسم أولئك محققين مقالهم مواجهين للمجرمين تبكيتاً وتوبيخاً مؤكدين ما أنكر أولئك.

{إلى يوم البعث} كما قال تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 100] وأما تعيين مدة اللبث فأخفاه عن عباده، ولما أعلم القرآن أن غاية البرزخ البعث، وصدق في إخباره، سببوا عن ذلك قولهم: {فهذا} أي فتسبب ما كنا نقوله وتكذبوننا فيه، نقول لكم الآن حيث لا تقدرون على تكذيب: هذا {يوم البعث}... تنبيهاً لهم على أنه لا فائدة في تحرير مقدار اللبث في الدنيا ولا في البرزخ، وإنما الفائدة في التصديق بما أخبر به الكتاب حيث كان التصديق نافعاً.

{ولكنكم كنتم} أي كوناً هو كالجبلة لكم في إنكاركم له.

{لا تعلمون} أي ليس لكم علم أصلاً، لتفريطكم في طلب العلم من أبوابه، والتوصل إليه بأسبابه، فلذلك كذبتم به فاستوجبتم جزاء ذلك اليوم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأولو العلم هؤلاء هم في الغالب المؤمنون، الذين آمنوا بالساعة، وأدركوا ما وراء ظاهر الحياة الدنيا، فهم أهل العلم الصحيح وأهل الإيمان البصير. وهم يردون الأمر هنا إلى تقدير الله وعلمه (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث).. فهذا هو الأجل المقدور، ولا يهم طويلا كان أم كان قصيرا. فقد كان ذلك هو الموعد، وقد تحقق.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جعل الله منكري البعث هدفاً لسهام التغليظ والافتضاح في وقت النشور، فلما سمع المؤمنون الذين أوتوا علم القرآن وأشرقت عقولهم في الحياة الدنيا بالعقائد الصحيحة وآثار الحكمة لم يتمالكوا أن لا يردوا عليهم غلطهم رداً يكون عليهم حسرات أن لا يكونوا قبلوا دعوة الحق كما قبلها المؤمنون. وهذه الجملة معترضة.

وعطف الإيمان على العلم للاهتمام به لأن العلم بدون إيمان لا يرشد إلى العقائد الحق التي بها الفوز في الحياة الآخرة.

{لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} صرف لهم عن تلك المعذرة كأنهم يقولون: دَعُوا عنكم هذا فلا جدوى فيه واشتغِلوا بالمقصود وما وُعدتم به من العذاب يوم البعث.

{لَبِثْتُم}... الخبر مستعمل في التحزين والترويع باعتبار ما يرد بعده من الإفصاح عن حضور وقت عذابهم.

و {في} من قوله {فِي كِتَاب الله} للتعليل، أي لبثتم إلى هذا اليوم ولم يعذبوا من قبل لأجل ما جاء في كتاب الله من تهديدهم بهذا اليوم.

والفاء في {فهذا يوم البعث} فاء الفصيحة أفصحت عن شرط مقدر، وتفيد معنى المفاجأة كما تقدم عند قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُّوكم بِمَا تَقُولون} في سورة الفرقان (19)، أي إذا كان كذلك فهذا يوم البعث، وهذا توبيخ لهم وتهديد وتعجيل لإساءتهم بما يترقبهم من العذاب.

والاقتصار على {فهذا يوم البعث} ليتوقعوا كل سوء وعذاب.

والاستدراك في {ولكنكم كنتم لا تعلمون} استدراك على ما تضمنته جملة {لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} أي لقد بلغكم ذلك وكان الشأن أن تستعدوا له ولكنكم كنتم لا تعلمون، أي: لا تتصدون للعلم بما فيه النفع بل كان دأبكم الإعراض عن تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم.

وفي التعبير بنفي العلم وقصدِ نفي الاهتمام به والعناية بتلقيه إشارة إلى أن التصدي للتعلّم وسيلة لحصوله...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

"العلم والإيمان" هناك فرق بينهما، فالعلم كسب، والإيمان أنت تؤمن بالله وإن لم تره. إذن: شيء أنت تراه وتعلمه، وشيء يخبرك به غيرك بأنه رآه، فآمنت بصدقه فصدقته، فهناك تصديق للعلم وتصديق للإيمان؛ لذلك دائما يقال: الإيمان للغيبية عنك، أما حين يقوى إيمانك، ويقوى يقينك يصير الغيب كالمشاهد بالنسبة لك.

"أوتوا العلم والإيمان "لأن العلم تأخذه أنت بالاستنباط والأدلة... الخ، أو تأخذه ممن يخبرك وتصدقه فيما أخبر...

"أوتوا العلم" ولم يقل: علموا، كأن العلم ليس كسبا، إنما إيتاء من عالم أعلم منك يعطيك، فإن قلت: أليس للعلماء دور في الاستدلال والنظر في الأدلة؟ نقول: نعم، لكن من نصب لهم هذه الأدلة؟ إذن: فالعلم عطاء من الله.