إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (56)

{ وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان } في الدُّنيا من الملائكةِ والإنسِ { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كتاب الله } في علمهِ أو قضائهِ أو ما كتبَه وعيَّنه أو في اللَّوحِ أو القرآنِ وهو قوله تعالى : { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } [ سورة المؤمنون ، الآية100 ] { إلى يَوْمِ البعث } ردُّوا بذلك ما قالُوه وأيَّدوه باليمين كأنَّهم من فرطِ حَيرتِهم لم يدرُوا أنَّ ذلك هو البعثُ الموعودُ الذي كانُوا ينكرونَه وكانُوا يسمعون أنَّه يكونُ بعد فناءِ الخلقِ كافَّة ويقدرون لذلك زماناً مديداً وإنْ لم يعتقدُوا تحقُّقه فردَّ العالِمونَ مقالتَهم ونبَّهوهم على أنَّهم لبثُوا إلى غايةٍ بعيدةٍ كانُوا يسمعونَها وينكرونَها وبكَّتوهم بالإخبارِ بوقوعِها حيثُ قالُوا { فهذا يَوْمُ البعث } الذي كنتُم تُوعدون في الدُّنيا { ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أنَّه حقٌّ فتستعجلون به استهزاءً والفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ كما في قول مَن قالَ :

قالُوا خراسانُ أقْصَى ما يُرادُ بنا *** ثمَّ القُفولُ ، فقد جِئنا خُراساناً